التعددية لا تلغي الوحدة

التعددية لا تلغي الوحدة

عادل عبد الرحمن

 قرأت امس مقالة الزميل حسن البطل بعنوان «صبري جريس «ثنك ثانك»، التي دعتني لقراءة الاستاذ صبري جريس بعنوان «المسار الدولي هو الامثل»، التي لا يملك المرء إلا ان يتفق مع الجزء الكبير منها. غير ان مقالة الاستاذ صبري، حملت نقطة خلافية، تحتاج الى نقاش وإغناء، لا سيما وانها من حيث المبدأ ليست محل خلاف، إلا اذا شاء الكاتب والمؤرخ جريس ذلك. في الفقرة الاخيرة من مقالة رئيس مركز الابحاث الفلسطيني السابق، اراد الزميل صبري جريس، ان يعمق فكرته، ويفتح امامها أفق النجاح. الفكرة التي يعتقد، ونعتقد معه بصوابيتها، وهي، استمرار التوجه الى الاقطاب الدولية عموما وتحديدا الاتحاد الاوروبي وروسيا الاتحادية، لبلوغ الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، وعدم الانصياع او الارتهان للمواقف الاميركية والاسرائيلية. غير انه جانب الصواب عندما أشار إلى الفصل بين ما سبق ذكره والوحدة الوطنية، قائلا: « ولضمان نجاح مثل هذا المسار لا بد ايضا، في هذه المرحلة على الاقل، من الابتعاد عن ترهات السياسات الفلسطينية المحلية وألاعيب بعض هواة العمل السياسي، مثل تعليق التقدم في المجال الدولي على تحقيق ما يسمى الوحدة الوطنية من جهة او الدعوة الى انتفاضة ثالثة من جهة أخرى.» وتابع المفكر الكبير جريس القول:» ان الوحدة الفلسطينية، بالمفهوم الذي يسعى إليه السياسيون التقليديون الفلسطينيون، غير قابلة للتحقيق في مجتمع تعددي كالمجتمع الفلسطيني». ويذهب بعيدا في وجهة نظره، حين يجزم بعدم إمكانية بلوغ غاية الوحدة الوطنية، « لقد اضاعت الحركة الوطنية الفلسطينية، مثلا، وقتا طويلا، وبذلت جهودا كبيرة لتحقيق «وحدة وطنية» خلال سبعينيات القرن الماضي وبعد ذلك ايضا دون اي نجاح. ولن يكون النجاح حليفها هذه المرة، لأسباب لا مجال لذكرها هنا.»

 من الملاحظ ان موقف الاستاذ صبري جريس، انتقل من رفض الربط بين الوحدة الوطنية والتوجهات السياسية للقيادة الفلسطينية لانتزاع الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية «في هذه المرحلة على الأقل»، الى ان بلغ مرحلة القطع مع الوحدة الوطنية، لأنها لم تتحقق خلال مرحلة السبعينيات من القرن الماضي، « ولن يكون النجاح حليفها هذه المرة.» الأمر الذي يثير الاستغراب. ويستدعي النقاش المسؤول مع الرجل. لأنه بالتأكيد لم يقصد إلغاء عامل الوحدة الوطنية لبلوغ الاهداف الوطنية. كما ان العارف بالاستاذ صبري جريس، حتى لو لم يلتقه او يتعامل معه، كما كاتب هذه الزاوية، فإن الوقوف على تاريخ صبري جريس، كواحد من الشخصيات الوطنية، التي حملت هم الوطنية الفلسطينية منذ السنوات الاولى للنكبة كما اشار الاستاذ العزيز حسن البطل في مقالته المذكورة آنفا، يملي على المرء عدم التعجل في الاستنتاج السلبي لما جاء في مقالة جريس.

ودون استطراد، فان الضرورة تملي التأكيد على الآتي: أن الوحدة الوطنية أولا لا تتناقض مع التعددية. لا بل ان التعددية تملي في مراحل النضال الوطني توحيد جهود الشعب في بوتقة النضال المشترك ضد المحتلين. كما ان التعددية ليست استثناء في اوساط الشعب الفلسطيني، انما هي سمة كل شعوب الأرض قاطبة. وتمكنت الشعوب المختلفة في مراحل نضالها التحرري من تشكيل جبهات وطنية متحدة، جمعت في إطارها كافة القوى المعنية بالتحرر والانعتاق من ربقة الاحتلال، أي كان اسمه او قوته. فضلا عن ذلك الوحدة الوطنية، سلاح استراتيجي مهم لأي شعب يريد التخلص من الاحتلال.

بالاضافة لما تقدم، الوحدة الوطنية، لا تلغي حق القوى السياسية المختلفة في التعبير عن مواقفها ووجهات نظرها ورؤاها في المحطات السياسية المختلفة، حتى وان كانت وجهات نظرها تتباين مع رأي الجبهة الوطنية. غير ان القواسم المشتركة، وشعاراتها الناظمة (الجبهة الوطنية) تفرض على القوى المنضوية تحت رايتها الالتزام بالبرنامج الوطني وبالتكتيك السياسي المشترك في المحافل والمنابر الاقليمية والدولية المتعددة. وبالتالي الوحدة الوطنية، تشكل دعامة اساسية للكفاح الوطني. وهذا ليس إنشاء او فذلكة كلامية. إنما هو حقيقة اكدتها تجارب الشعوب المختلفة بما فيها تجربة الشعب الفلسطيني. وعدم تمكن الشعب الفلسطيني من إقامة وحدة وطنية حقيقية، لا يلغي حقيقة وأهمية عامل الوحدة الوطنية. ويعكس احد عناصر الخلل في التجربة الوطنية الفلسطينية. فضلا عن انه، احد عوامل تراجع وتعثر تجربة التحرر الوطنية الفلسطينية، وهو احد ملامح أزمتها البنيوية.

 كما ان النضال من اجل الوحدة الوطنية، والعمل لتحقيقها، لا يتعارض مع جهود القيادة الوطنية في تحقيق هدف الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967. لا بل ان القيادة تعمل على تحقيق المسألتين في آن . بمعنى ان القيادة لم توقف مساعيها الدؤوبة والمتواصلة لبلوغ استحقاق ايلول القادم. وفي نفس الوقت تسعى ذات القيادة الشرعية لتحقيق هدف الوحدة الوطنية. لأن الوحدة الوطنية، بقدر ما هي سلاح، بقدر ما هي غاية وطنية، لأن تكريسها في الواقع يمكن الشعب الفلسطيني من تعزيز عناصر الصمود لمخططات الاحتلال الاسرائيلي، ويقرب المسافة باتجاه الاهداف الوطنية، ويعطي مصداقية اكبر للموقف الفلسطيني في المنابر والمحافل العربية والاقليمية والدولية، ويقطع الطريق على دولة الابرتهايد العنصرية الاسرائيلية من استثمار عملية الانقسام والتشرذم الداخلية، لأن اخطر عدو للشعب الفلسطيني كان وما زال هو الانقلاب والانقسام، لأنه حصان طروادة الاسرائيلي.

 قبل ايام وبعد طرح الرئيس ابو مازن لمبادرته للمصالحة الوطنية في السادس عشر من الشهر الماضي (آذار) خرج بعض ايديولوجست جماعة الاخوان المسلمين في الاردن وغزة للدعوة لرفض الوحدة الوطنية لأن اجندات الاخوان واقرانهم في الوطن تتناقض مع الوحدة الوطنية. المؤكد ان الاستاذ الكبير صبري جريس لم يشأ التقاطع مع اولئك الانقلابيين، ولا هو بوارد الجلوس على أرصفتهم. ولكن الموقف الذي جاء في مقالته بحاجة الى إعادة نظر، حتى لا يساء الفهم في اوساط الشعب.

نشر في “الحياة الجديدة” (رام الله )، 14/4/2011 ]
الأرشيف