انتخابات الكنيست العشرين كمرآة لأزمة النظام الصهيوني
انتخابات الكنيست العشرين
كمرآة لأزمة النظام الصهيوني
صبري جريس
عُقدت في إسرائيل، في 17/3/2015، الانتخابات النيابية العامة للكنيست العشرين، وذلك في موعد مبكر بما يزيد عن السنتين على الموعد الذي كان مفترضاً أصلاً لأجرائها في أواخر 2017. وليست هذه، في أي حال، هي المرة الأولى التي تجري فيها انتخابات مبكرة في إسرائيل؛ فهكذا حدث، مثلاً، في انتخابات 1984 و1999 و2006 و2009. والمألوف، سياسياً ودستورياً، هو أن يلجأ النظام الصهيوني إلى إجراء انتخابات مبكرة عندما تفقد الحكومات الإسرائيلية، التي كانت دائماً وأبداً ائتلافية، تستند إلى تأييد اكثر من حرب، ثقة الأكثرية في الكنيست، أو تستفحل الخلافات بين مركباتها بحيث تصبح غير قادرة على الحكم. وهذا ما حدث، أيضاً، هذه المرة.
وكالعادة، وكما جرى في كافة الانتخابات العامة السابقة، شارك في الانتخابات عدد كبير، نسبياً، من القوائم الانتخابية، فقد تسجلت لخوض هذه الانتخابات 26 قائمة، قامت واحدة منها بأبطال تسجيلها (ولم يمنع ذلك 58 شخصاً من التصويت لها)، فيما خاضت الـ 25 الباقية الانتخابات. ومن بين تلك القوائم نجحت عشرة وفازت بمقاعد في الكنيست الجديد (انظر الجدول)، بينما فشلت الـ 15 الباقية في تجاوز نسبة الحسم، التي رفعت من 2% إلى 3.25% في الكنيست الحالي، وبالتالي لم تحصل على أي تمثيل. وليس في هذا، أيضاً، أي جديد، فكثرة القوائم الانتخابية، في كل انتخابات الكنيست، ظاهرة مألوفة منذ قيام اسرائيل، وتعود اسبابها الرئيسية إلى كثرة “القبائل” اليهودية داخل الكيان الصهيوني، التي لا تنفك عن التناحر مع بعضها البعض، فيما يسعى كل منها إلى تثبيت وتقوية كيانه الخاص به، سواء كان أولئك اشكناز غربيين أو سفاراديم شرقيين، أو متدينين أو علمانيين، أو يمين متطرف أو وسط أو مستوطنين موتورين، الخ. كذلك ساعد على ارتفاع عدد القوائم النظام الانتخابي الإسرائيلي، الذي يقدم “تسهيلات” جمة لذلك. فوفقاً لهذا النظام تعتبر اسرائيل بأكملها منطقة انتخابية واحدة، يتم التصويت فيها على أساس قوائم انتخابية تضم اسماء المرشحين فيها، وليس على اساس شخصي. وبعد انتهاء الانتخابات تجمع كل الأحداث، التي حصلت عليها أية قائمة في أي مكان في اسرائيل، وتسجل لصالحها. والقائمة التي يتجاوز عدد الأحداث التي حصلت عليها نسبة الحسم تشارك في توزيع المقاعد في الكنيست، وفق أولوية مرشحيها داخل القائمة. وهذا وضع يغري الكثيرين على تجميع قواهم، أياً كان مكان سكنهم، وتشكيل قائمة خاصة بهم، علَّ الحظ يحالفهم ويحصلوا على تمثيل ما في الكنيست.
مكانك عد…
كان من المتوقع، استناداً إلى استطلاعات رأي عام عديدة ومتواصلة، وإلى قراءات وآراء مختلفة، أن تسفر الانتخابات عما يشبه “انقلاباً” في مراكز القوى في اسرائيل، بحيث يفقد الليكود مع حلفائه “الطبيعيين” الأكثرية التي كانت حتى اليوم من نصيبهم ويخسروا الحكم، ليحل مكانهم حزب العمل والحلفاء الذين يستطيع جمعهم لتأييده.
وقد كان لهذه الاستطلاعات والتوقعات ما يدعمها، موضوعياً، فنتنياهو قضى حتى الآن 6 سنوات متواصلة (2009-2015) في رئاسة حكومة اسرائيل (وذلك عدا عن رئاسته الأولى للحكومة خلال السنوات 1996-1999). وخلال فترات الحكم هذه، الطويلة نسبياً، لم يقم الرجل بأي عمل مفيد يمكن أن يجذب الإسرائيليين إليه أو يدفعهم إلى استمرار التصويت له أو لحزبه، بل أنه، وعلى العكس من ذلك، لم يترك خطأ إلا وارتكبه، ما دفع إلى الافتراض أن أكثرية الناخبين نفرت منه وراحت تتجه إلى تأييد غيره.
فعدا عن الجمود السياسي، فيما يتعلق بالموقف من الفلسطينيين اساساً وسبل التعاطي معهم، وهو ما لا يقض مفاجع الإسرائيليين عموماً، في أي حال، لم يترك نتنياهو، خلال ولايته الثانية، أرثاً يعتز به أو “انجازات” يستطيع التفاخر بها. فخلال حكمه، مثلاً، ارتفعت معدلات غلاء المعيشة وازدادت الضرائب وتفشى الفقر وتفاقمت ازمة الاسكان وتضعضع نظام التعليم واستفحل الاستيطان، بتحويل ميزانيات ضخمة له على حساب تلك التي كانت من المفترض أن تُخصص لغايات اجتماعية أخرى، يمكن أن تساهم في تحسين مستوى المعيشة. وبالإضافة إلى ذلك تصرف الرجل الخاضع لنزوات زوجته سارة، التي لا تتصف بكياسة ملحوظة، بنرجسيته المعروفة ودكتاتوريته المقنّعة، بصورة أبعدت أكثر من زعيم ناشئ في الليكود من بين صفوفه، وذلك خوفاً من مزاحمتهم له ومن ثم انتصارهم عليه. وكان من بين أبرز أولئك موشيه كحلون، رئيس قائمة “كلنا” التي حصلت على 10 مقاعد في الكنيست الحالي، معظمها من مؤيدي اليمين من اليهود الشرقيين. وكان كحلون، عندما تقلد منصب وزير الاتصال في حكومة نتنياهو قد قام بثورة حقيقية في عالم الاتصالات، وخصوصاً في مجال الهواتف المحمولة، بعد أن قضى على الاحتكار في ذلك المجال وفتح باب المنافسة في هذا القطاع على مصراعيه، بحيث بات حالياً من الممكن، مثلاً، الاشتراك في خطوط الهاتف المحمول بـ 37 شيكل شهرياً للخط الأول وشيكلين اثنين للخط الثاني. وقد منح ذلك كحلون شعبية كبيرة أثارت غيرة نتنياهو ودفعته إلى ابعاده عن الحكم ( ثم فعل الشيء نفسه مع وزير الداخلية جدعون ساعار). وكانت النتيجة أن يعود الرجل إلى الكنيست ومعه عدد لا بأس به من النواب، ويقال أنه قد يحصل على منصب وزير المالية في الحكومة المقبلة. وكان كحلون قد أعلن، في أولى خطوات حملته الانتخابية، أن الليكود الأصلي قد “فقد الطريق”، وأنه ينتمي إلى ذلك الليكود “الذي يعرف كيف يتنازل عن مناطق [محتلة]”.
أما على صعيد السياسة الخارجية فلم يكن لدى نتنياهو من عمل إلا التحذير من مخاطر إيران النووية، ومحاولة تحجيمها، ولأجل ذلك دخل في صراعات مع الإدارة الأميركية، فيما بدا كأنه محاولات “كسر عظم”، لم تسفر عن نتيجة تذكر في نهاية الأمر. ويبدوا أن الرجل أخطأ في حسابات بافتراضه أن بإمكانه حمل الولايات المتحدة على تغليب مصالح اسرائيل، بمفهوم نتنياهو لها، على مصالح أميركا ذاتها. وأثار هذا الاتجاه حفيظة الكثيرين من الأمنيين الإسرائيليين الذين رأوا في الخلاف مع الولايات المتحدة اتجاهاً قد يعرّض مصالح اسرائيل الاستراتيجية للخطر، ولذلك وقف العديد منهم ضد نتنياهو مطالبين بتغييره.
نتائج الانتخابات للكنيست، 2009 – 2015
الحزب/القائمة (ورئيسها) |
عدد المقاعد |
||
الكنيستالثامن عشر |
الكنيستالتاسع عشر |
الكنيستالعشرون |
|
2009 |
2013 |
2015 |
|
الليكود (1) (نتنياهو) |
27 |
19 |
30 |
حزب العمل (2) (هرتسوغ) |
13 |
15 |
24 |
القائمة المشتركة (3) (عوده) |
(11) |
(11) |
13 |
يوجد مستقبل (لابيد) |
– |
19 |
11 |
كلنا (كحلون) |
– |
– |
10 |
البيت اليهودي (4) (بينيت) |
3 |
12 |
8 |
شاس (5) (درعي) |
11 |
11 |
7 |
يهود التوراة (6) (ليتسمان) |
5 |
7 |
6 |
اسرائيل بيتنا (1) (ليبرمان) |
15 |
12 |
6 |
ميرتس (غلئون) |
3 |
6 |
5 |
الحركة (2) |
– |
6 |
– |
كديماه (7) |
28 |
2 |
– |
ياحد (5) (يشاي) |
– |
– |
– |
الاتحاد القومي (4) |
4 |
– |
– |
المجموع |
120 |
120 |
120 |
(1) خلال انتخابات 2013 شكل حزبا الليكود واسرائيل بيتنا قائمة موحدة حصلت على 31 مقعدا، ثم افصلا عن بعضهما البعض بعد الانتخابات الى كتلتين مستقلتين. |
|||
(2) أنضمت الحركة برئاسة تسيبي ليفني الى حزب العمل. |
|||
(3) القائمة العربية الموحدة لفلسطيني الداخل (وتضم عضوا يهوديا). وقد تشكلت من 3 قوائم عربية (ومن انفصل عنها)، هي الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والقائمة العربية الموحدة والتجمع الوطني الديمقراطي، التي كان كل منها قد حصل في كل من الانتخابين السابقين على 4 و4 و3 مقاعد على التوالي. وقد شاركت في هذه الانتخابات أيضا، كما في السابقة، قائمتان عربيتان جديدتان، إلا أن أي منهما لم تتجاوز نسبة الحسم. |
|||
(4) انضم الاتحاد القومي الى الحزب الديني القومي (مفدال) وأنشأوا حزب البيت اليهودي. |
|||
(5) يهود متدينون شرقيون. وقد انشقت ياحد، برئاسة ايلي يشاي، عن شاس، برئاسة ارييه درعي؛ الا انها لم تتجاوز نسبة الحسم في الانتخابات، وبالتالي لم تحصل على أي مقعد في الكنيست. |
|||
(6) يهود متدينون غربيون. |
|||
(7) اضمحلت كديماه ولم تشارك في الانتخابات الاخيرة. |