قانون الانتخابات الفلسطيني الجديد خطوة على الطريق الصحيح

قانون الانتخابات الفلسطيني الجديد خطوة على الطريق الصحيح

صبري جريس

     قانون الانتخابات الجديد للمجلس التشريعي الفلسطيني، الذي اقره المجلس مؤخراً، بعد اخذ ورد استمر فترة غير قصيرة، وان لم يبت بشأنه نهائياً حتى الان، يعتبر خطوة مهمة على الطريق الصحيح، نحو اصلاح الحياة السياسية الفلسطينية وانعاشها وبث الروح فيها، بما يمكن ان يعود بالنفع على النظام الفلسطيني بأسره، ليس من النواحي السياسية فحسب، بل يمكن ان يتعداها ليؤثر في نواح اخرى لا تقل اهمية عنها، كالاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

     لقد اعتمد المجلس، كما هو معروف، اسلوباً انتخابياً فريداً في نوعه، قل ان يوجد مثله في الانظمة الديمقراطية في العالم، يقوم على دمج طريقتي الانتخابات، النسبية والمناطقية (او الدائرية) المعمول بها، كل منها وحدها، في العديد من دول العالم، لانتخاب اعضاء المجلس القادم، وبقراره هذا، واقدامه على تغيير طريقة الانتخابات، وان كان القانون، كما اشرنا، لا يزال موضوعاً للنقاش ويفتقر الى المصادقة الضرورية لاعتماده . ارسى المجلس اسساً واقعية، يفترض ان تكون ناجعة ومجدية، لاطلاق حياة سياسية صحية، احوج ما يكون اليها نظام ناشئ كالنظام الفلسطيني.

   ولعله من المناسب التنويه، قبل التطرق الى ماهية هذا النظام الانتخابي المستحدث وابعاده، الاشارة الى ان فلاسفة العلوم السياسية ومنظريها يكادون يجمعون فيما بينهم على انه ليس هنالك نظام انتخابي ما في العالم يمكن اعتباره مثالياً، سواء كان نسبياً او مناطقياً او مباشراً او غير ذلك، فكل الطرق والوسائل الانتخابية والنماذج التمثيلية، على اختلاف انواعها، لها نواحيها الايجابية الواضحة، الا انها من جهة ثانية، كلها ايضاً، لها نواحيها السلبية، الواضحة ايضاً، وان شئنا تطبيق ذلك على النظامين المدمجين، المفترض ان يعمل بهما في فلسطين، النسبي والدائري، يمكن القول ان النظام النسبي مفيد للقوى الحزبية او المنظمات الكبيرة، واحياناً حتى الصغيرة، ومجحف بالنسبة للقوى المحلية، كما انه يمنح الجهاز الحزبي التنظيمي صلاحيات واسعة، شبه دكتاتورية، لتسمية المرشحين للانتخابات ضمن قائمته، ومن ثم “فرضهم” على الحزب أو التنظيم وبالتالي على المصوتين عموماً، كما هي الحال في اسرائيل مثلاً، على ما لذلك من سلبيات، اما النظام الدائري فيمنح قوة كبيرة نسبياً للقوى الجهوية، التي يفترض، بحكم ارتباطاتها المحلية، ان تكون اكثر ولاء واهتماماً بمنطقتها ودائرتها الانتخابية من اهتمامها بالقضايا الوطنية العامة، في حال تضارب المصلحتين، كما قد يمنع مثل هذا النظام نشوء حركة قطرية سياسية موحدة، تنشط سياسياً كقوة ذات وزن وتأثير، وعلى كل حال، فالمقارنات، من حيث الايجابيات او السلبيات، بين هذه النظم المختلفة لا تنتهي، وليس هنا المجال للغوص فيها.

     ان المجلس التشريعي بدمجه، كما اشرنا، بين اسلوبي الانتخابات، النسبي والمناطقي (او الدائري، حسب التعبير الفلسطيني)، قد وضع الاسس، من حيث يدري او ربما لا يدري، لنظام سياسي فلسطيني جديد، وذلك بـ”استحداث” نظام انتخابي “جديد” يفترض ان يجمع بين محاسن الاسلوبين النسبي، والدائري، ويقلل من مساوئهما، بالتالي يفترض ان يؤدي ذلك الى تنشيط الحياة السياسية الفلسطينية وبعثها من جديد، بصورة تراعي وترعى مصالح الجميع.

     ومما لا شك فيه ان النظام الفلسطيني بحاجة الى مثل هذا التغيير، والى هزات عنيفة يمكن ان تنجم عنه، توقظ النائمين من سباتهم وتكسر الجمود السياسي، والفكري المستشريين، على الاضرار التي يجرها مثل هذا الوضع على اكثر من صعيد. ومما لا شك فيه كذلك ان قراءة سطحية للغاية للوضع ميدانياً تثبت صحة هذا الافتراض، بما لا يدع مجالاً لكثير من الشكوك.

     ويكفينا في هذا الصدد القاء نظرة عابرة، على الاوضاع  الميدانية، ولو سريعة، منذ بداية العام الحالي فقط لنقف على صحة هذا الاستنتاج.

     فمن المعروف، مثلاً، انه في الانتخابات لاختيار رئيس السلطة الفلسطينية (ونستعمل، على وجه التحديد، عبارة “السلطة الفلسطينية”، دون ان نضيف كلمة “الوطنية” اليها، لأن هذه الكلمة ليست رسمياً جزءاً من اسم السلطة او شعارها، واضيفت او تضاف اليها، كما يبدو، على سبيل التجميل، الذي لا نرى ضرورة له)، التي جرت في شهر كانون الثاني المنصرم، احجم اكثر من نصف اصحاب حق الاقتراع عن المشاركة في تلك الانتخابات، وابسط تفسير لذلك هو ان تلك الاكثرية لم تر فائدة، بالنسبة لها على الاقل، من المشاركة في تلك الانتخابات، ولم تتوقع خيراً كبيراً منها؛ سواء تم ذلك نتيجة احباط او لا مبالاة او حتى مواقف مبدأية معارضة، وربما كان هذا اقل ما يقال في تفسير مثل هذا الموقف الشعبي، دون ان ندخل حالياً على الاقل، في الاكبر والاعظم من مسببات ذلك، وليس في موقف كهذا، من قبل اكثرية شعب لا يزال يرزح تحت الاحتلال ونظامه السياسي في طور التكوين، الا شهادة افلاس للنظام والطواقم التي تربعت على عرش قيادته حتى الآن، وليس في ذلك، ايضاً، ما يدعو الى الفخر.

     الاّ ان هذا الموقف الشعبي تغير، بصورة واضحة للغاية، بعد فترة قصيرة جداً من عقد تلك الانتخابات الرئاسية، عندما بدأت الانتخابات للبلديات والمجالس القروية المحلية، اذ لوحظ ان هنالك اقبالاً شعبياً واسعاً عليها وتنافساً حاداً سادها، من خلال صراع سياسي واضح المعالم، وليس في هذا الاّ دلالة واضحة على ان هنالك كياناً سياسياً ناشطاً، لا يحتاج الاّ الى توفير الشروط الملائمة لكي يستيقظ من سباته ويقوم بدوره، خدمة لمجتمعه وكيانه وبلده.

     ويبدو لنا ان قانون الانتخابات الجديد ينشئ ارضية صلبة لمثل هذا التطور، المطلوب والضروري، على الصعيد السياسي القطري بأكمله، فالقانون الجديد، بالصيغة التي يتم تداولها، وايا كانت التعديلات التي قد تدخل عليه، يوفر الامكانية لكل تنظيم او حزب او هيئة او مجموعة، للعمل على تنظيم انفسهم والمشاركة في الانتخابات، بالطريقة التي يرتئيها كل منهم؛ ومن ثم القيام بواجبه ولعب دوره في انشاء وتدعيم كيان بلده، وفي وضع كهذا يفترض ان تتوقف حملات الندب والتباكي واختلاق الاعذار، وكيل التهم للآخرين وتحميلهم مسؤولية الاوضاع المتردية، فالطريق باتت مفتوحة امام اية مجموعة نعتقد ان لديها ما تقدمه ان تقوم بذلك، ومن يطالب بالتغيير، ويعتقد انه يستطيع تقديم الافضل، عليه الانطلاق والمشاركة في بناء نظام جديد، او تحسين الحالي على الاقل.

     ان كنا في صدد الحديث عن تعديلات قد تدخل على قانون الانتخابات، لعله من المناسب اعتماد مبدأ المناصفة كلياً، بمعنى ان ينتخب نصف اعضاء المجلس وفق الطريقة النسبية، والنصف الآخر حسب الدوائر، كما قد يكون من المناسب تخفيض نسبة الحسم وجعلها 1% فقط، لتمكين اكبر عدد ممكن من المنظمات والقوى الصغيرة من الحصول على تمثيل يليق بها، على مبدأ توسيع قاعدة الديمقراطية.

     وان كان من المناسب، في هذا الصدد، الإشادة بموقف المجلس التشريعي الذي أقر هذا القانون، لا بد ايضاً من إبداء “العتب” عليه، نظراً لتلكؤه، أو ربما تلكؤ مجموعة من أعضائه، في إقرار هذه التعديلات، مع أن هذا لم يكن موقفه عندما عرضت عليه قوانين أخرى، كقانون التقاعد مثلاً، فقد سارع المجلس إلى إقرار ذلك القانون خلال فترة وجيزة، دون أن يبدي اعتراضات كبيرة عليه أو تلكؤاً يذكر في شأنه، بل إن المجلس قام بذلك دون أن يكلف نفسه حتى عناء تذكير مؤيدي ذلك القانون من “المعجبين” بإسرائيل أو “محبيها”، أنهم فيما كانوا يحددون سن التقاعد بـ60 سنة، كانت إسرائيل ترفع سن التقاعد من 65 إلى 67 سنة، وبالنسبة للمهنيين أو المحترفين، كالقضاة مثلاً، من 70 إلى 72 سنة، على اعتبار أن من اكتسب خبرة على حساب الدولة عليه أن يقدم من خبرته هذه لخدمة المجتمع حتى آخر قدراته.

     وأيا كان من أمر هذا التلكؤ، على كل حال؛ فالواضح أن فترة ولاية المجلس الحالي، التي امتدت إلى نحو ضعفي الفترة المقررة لها، قد شارفت على نهايتها، وآن لهذا المجلس أن يرحل، مشكوراً، فقد انهمك الناس به وبشؤونه بما فيه الكفاية، فبعد إجراء الانتخابات للمجلس التشريعي القادم هنالك مهام أخرى ينبغي انجازها، وأولها إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتنشيطها، وقد آن الأوان لذلك.

[ نشر في جريدة “الأيام” (رام الله)، 28/5/2005 ]
الأرشيف