انتخابات الكنيست التاسع عشر (2013)
والدوران في الدائرة المغلقة
صبري جريس
جرت في إسرائيل في 22/1/2013 الانتخابات للكنيست (البرلمان) التاسع عشر؛ وهي، كما يدل اسمها، الانتخابات العامة التاسعة عشرة التي تقوم بها إسرائيل منذ إقامتها. وشاركت في هذه الانتخابات 34 قائمة انتخابية، فازت12منها بمقاعد في الكنسيت الجديد، أما القوائم الباقية فلم تحصل على ما يكفي من الأصوات لتجاوز نسبة الحسم (وهي – منذ 2004 – 2% من مجموع الأصوات الصالحةً).
وليس في ارتفاع عدد القوائم التي شاركت في الانتخابات ما يدعو إلى الغرابة، في أي حال، إذ تميزت الانتخابات العامة في إسرائيل، دائماً وأبداً، بارتفاع نسبي في عدد القوائم التي تخوضها، والتي يفشل في الانتخابات، عادةً، أكثر من نصفها.
ولعل السبب الرئيسي لهذا التضخم في عدد القوائم الانتخابية هو انعدام التجانس بين مكونّات سكان إسرائيل اليهود، الذين يمكن النظر إليهم كنوع من “القبائل” اليهودية، التي تختلف كل منها عن الأخرى من حيث الأسس الإثنية أو العرقية أو التيارات والتنظيمات الدينية المختلفة أو المهاجرين القادمين من البلدان ذات الحضارات المختلفة. ولذلك تحاول كل مجموعة إقامة تنظيم سياسي تسعى من خلاله لتحقيق أهدافها والحفاظ على بقائها. وليس في واقع كهذا، في أي حال، إلاّ برهاناً آخر ساطعاً على زيف الإدعاءات الصهيونية بشأن “صهر” المهاجرين اليهود إلى فلسطين في شعب واحد، إسرائيلي يهودي “جديد”، إذ أن الواقع هو عكس ذلك. فليس هناك “شعب” إسرائيلي واحد ومتماسك، بل مجموعات مختلفة من اليهود، لكل منها صفاتها الخاصة بها، التي لا تتطابق أو تتجانس بالضرورة مع طابع المجموعات الأخرى. وكانت زعامة حزب شاس، مثلا، وهو بأكثريته من اليهود الشرقيين، قد هاجمت بشدة، وبلهجة لا تخلو من عنصرية واضحة، أحزاب “الروس والبيض”، إشارة إلى اليهود الغربيين، بعد أن تسربت أنباء تفيد أن وزارة الإسكان، وهي البقرة الحلوب التي يسعى شاس إلى الاحتفاظ بها لنفسه، قد تسلم لممثلي “البيض”.
نحو إستراتيجية فلسطينية أخرى
(في ظل الاعتراف بدولة فلسطين)
صبري جريس
حدثان مهمان وغير مسبوقين وقعا خلال شهر تشرين الثاني 2012 على صعيد القضية الفلسطينية؛ أولهما الاعتراف بفلسطين دولة من قِبَل الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وإن كانت غير عضو في المنظمة الدولية، إذ منحت لها صفة المراقب فقط. أما ثانيهما فيتمثل في دحر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إثر مقاومة باسلة وناجعة أجبرت المعتدي الإسرائيلي على طلب وقف إطلاق النار والمسارعة إلى القبول به وفق شروط اعتاد سابقاً رفضها.
لقد تم الاعتراف بفلسطين دولة ضمن حدود 1967، لتضم الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، يوم 29 من الشهر، أي بعد مرور 65 سنة بالضبط على اليوم نفسه من سنة 1947، عندما صوتت المنظمة نفسها على القرار 181 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دوليتين، عربية ويهودية. وبذلك يبدو أن للتصويت الأخير دلالة رمزية لها معانيها، من حيث اعتباره نوعاً من الإنصاف، وإن كان جزئياً وجاء متأخراً، للفلسطينيين وإعادة جزء، على الأقل، من حقوقهم لهم. وتجدر الإشارة إلى أن قرار الاعتراف بدولة غير عضو في الأمم المتحدة لا ينتقص من مكانتها كثيراً، إذ جل ما يعنيه هو أن مثل تلك الدولة لا يحق لها التصويت على مشاريع القرارات في الأمم المتحدة؛ وهي ميزة يمكن العيش بدونها.
ويلاحظ كذلك أن قرار الاعتراف حاز على تأييد أكثرية كبيرة من أعضاء المنظمة الدولية، إذ صوتت إلى جانبه 138 دولة، أي أكثر من ثلثي الأعضاء (نحو 70%)، بينما عارضته 9 دول، من بينها إسرائيل، وبالطبع، و”وكيلتها”– حاميتها الولايات المتحدة، فيما امتنعت 41 دولة عن التصويت وغابت 5 دول عن حضور الجلسة. وبذلك يكتسب قرار الاعتراف هذا، عدا عن أبعاده السياسية، مكانة أدبية وتاريخية مرموقة، ولاشك أنه ستكون له أبعاده الواضحة في إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، شرط أن تتم متابعة كافة نواحيه وأبعاده وتفعيله كرافعة للتقدم على طريق تحقيق الاستقلال الكامل والحقيقي.
قضية فلسطين إلى الأمم المتحدة، مرة أخرى
صبري جريس
تعمل جامعة الدول العربية حالياً، بالتنسيق مع الفلسطينيين، على وضع خطة لتنفيذ قرار لجنة المتابعة العربية، في اجتماعها الأخير في الدوحة، بشأن الحصول على الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة، خلال الدورة القادمة للجمعية العمومية للمنظمة الدولية في الخريف المقبل.
وعلى سبيل التذكير، كنت قد نشرت في جريدة “الايام” (رام الله)، (www.al-ayyam.com) ، خلال السنة الماضية، مقالين حول هذا الموضوع (الأول بعنوان “المسار الدولي هو الأمثل” في 9/4/2011 والثاني بعنوان “من مجلس الأمن إلى الجمعية العمومية” في 26/10/2011؛ وكلاهما أعيد نشره في زاوية أخرى على هذا الموقع) دعوت فيهما بوضوح إلى إتباع مثل هذا المسار. والحيثيات والدوافع والأسباب التي كانت قائمة يومها كمبرر للدعوة إلى انتهاج المسار الدولي في التعامل مع القضية الفلسطينية لا تزال هي نفسها قائمة اليوم، بل أنها ازدادت عمقاً ووضوحاً، وكلها لا تترك إلا المجال الدولي كمنفذ، ربما يكون وحيداً، للتعامل مع القضية الفلسطينية في الأوضاع الراهنة.
اغتيال عرفات – الجريمة وأبعادها
صبري جريس
لم يكن غريباً ما كشفته قناة “الجزيرة”، في تحقيق بثته يوم 4/7/2012، بشأن ظروف وفاة الشهيد القائد ياسر عرفات عن وجود مواد ذرية مشعة في أدواته الشخصية، كقبعته وفرشاة أسنانه وملابسه الداخلية، تفوق نسبتها المعدل الطبيعي، والأرجح أنها هي التي أدت إلى وفاته؛ وذلك استناداً إلى تحليلات مخبرية دقيقة ومقابلات مع الخبراء السويسريين الذين أجروا تلك التحاليل، شرحوا خلالها ما أسفرت عنه. فقد كان واضحاً لكل من كان على علاقة بـ”الختيار” أو من رآه أو تحدث معه، وكذلك لأطبائه بالطبع، أن الرجل كان يعاني في أيامه الأخيرة من مرض عضال راح يفتك به بسرعة وأدى إلى وفاته. صحيح أن الأطباء الفرنسيين الذين عالجوا عرفات قبيل وفاته، بعد أن نُقِل إلى باريس وتوفي هناك، لم يستطيعوا تحديد أي مرض معين أودى بحياة الرجل، رغم الفحوصات العديدة التي قاموا بها، وبعضها تم آنذاك خارج فرنسا. غير أنه لم يكن في مثل هذا التقرير ما يمكن أن يقنع أحداً. فعرفات نُقِل إلى مستشفى عسكري فرنسي، لا مدني. ولدى فرنسا خبرة طويلة في الأبحاث الذرية، بل أنها من القوى الذرية المعروفة في العالم. والأرجح أن ذلك التقرير عن أسباب وفاة عرفات لم يكن كاملاً، بل أن الحقيقة كانت معروفة وأُخفِيَت، أو أن فرنسا لم تشأ أن تأخذ المسؤولية على عاتقها، أو أنها تعرضت ومعها القيادة الفلسطينية للضغوط لكتمان الأمر، في محاولة للتستر على هذه الجريمة.
فلسطينيو الداخل والعار السوري
جريس جريس (ابو سامر)
من المؤسف، بل من المذهل والمؤلم والمفجع معا، ذلك التأثير والتعاطف مع النظام السوري برئاسة المجرم السفاح بشار الاسد، الذي تبديه قطاعات واسعة من الفلسطينيين في داخل اسرائيل، سواء في اوساط القوى السياسية الرئيسية الثلاث، “الجبهة” و”التجمع” و”الحركة الاسلامية”، او في اوساط عدد من وسائل الاعلام، او في صفوف جمهور لا يستهان به من رجال الفكر والثقافة. اذ يفترض بهذا الجمهور، بحكم موقعه في مركز الاحداث منذ ما يقارب نصف القرن، وتعرضه لشتى صفوف الاضطهاد والتفرقة والمعاناة، ان يكون اكثر وعيا وادراكا، واعمق فهما، لما يجري حوله من تطورات تمس حياته ومصيره واحلامه وامانيه.
فهذا النظام الفاشي، ومنذ اغتصابه للسلطة عبر انقلاب عسكري قبل ما يقرب من نصف قرن، يمارس اخطر وابشع وافدح الجرائم ليس فقط ضد الشعب السوري الذي نكب به، والذي يتعرض لكل وسائل البطش والقتل والتدمير والمذابح اليومية، التي يندر ايجاد مثيل لها؛ بل ايضا ضد الامة العربية عموما والشعبين الفلسطيني واللبناني خصوصا.
الجمهورية الثانية – باهتة الألوان ووعرة المسالك
صبري جريس
مع إعلان الدكتور محمد مرسي، مرشح الإخوان المسلمين، رئيساً لمصر إثر المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت هناك في أواسط حزيران 2012، راحت الجمهورية الثانية المصرية تخطو خطواتها الأولى على طريق خاص بها، وإن بدا أنه غير واضح المعالم تماما.ً فهذه الانتخابات لم تحسم الأمور ولا أرست قواعد للحكم، إذا عقدت في ظل غياب دستور أو مجلس نيابي، وكذلك فإن صلاحيات رئيس الدولة ودوره في السلطة التنفيذية غير محددين أو واضحين. كما أن مجلس الشعب الذي أُنتخب من قبل مدة أُعتبر غير شرعي، وتم حله بحكم قضائي. أما المجلس العسكري الذي مارس صلاحيات رئيس الدولة في المرحلة الانتقالية فقد قرر الاحتفاظ بالسلطة التشريعية بعد انتخاب الرئيس الجديد، على الأقل حتى وضع دستور جديد للبلد وانتخاب مجلس شعب جديد أيضا. وليس في ذلك كله ما يشير إلى وجود مسارات سياسية طبيعية في مصر.
لا فرعون في مصر
صبري جريس
أكثر من 1300 (ألف وثلاثمائة) مصري تقدموا إلى اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة في مصر، وفق تصريح صدر عن متحدث باسم اللجنة، للاستعلام عن متطلبات وشروط الترشيح للانتخابات الرئاسية في البلد أو سحب النماذج الخاصة بذلك. ومن بين أولئك قدم 23 شخصاً مستندات ترشحهم لتلك الانتخابات.
ولأول وهلة يبدو أن هذا الاهتمام المبالغ به بالانتخابات الرئاسية المصرية، من قبل المئات من مواطني ذلك البلد، الذين يوضح مجرد استفسارهم عن شروط الترشيح لتلك الانتخابات أنهم فكروا، ولو مرةً واحدة على الأقل، في خوض المعركة الانتخابية وطمحوا للوصول إلى سدة الرئاسة، ليس إلا تعبيراً عن الحالة الديمقراطية التي راحت تسود البلاد في أعقاب ثورات “الربيع العربي”. إلا أن الواقع عكس ذلك تماماً، إذ لا يشير إلاّ إلى فوضى عارمة راحت تجتاح مصر، بعد أن تفتتت قواها السياسية وراحت تناحر بعضها البعض. وهذا وضع لن يكون بالإمكان معه إقامة حكم مستقر يستطيع السير بالبلد نحو بر الأمان، والعمل على حل مشاكله المزمنة، وخصوصاً الاقتصادية ـ الاجتماعية منها، وذلك دون التطرق إلى اتجاهه السياسي. فلم نسمع مرة أن هنالك بلداً في العالم، أي بلد، وصل عدد الطامحين فيه للوصول إلى كرسي الرئاسة إلى أكثر من ألف شخص. وفي مصر، التي ربما كانت أول بلد في العالم عرف نظام الحكم المركزي وواضح المعالم، وذلك منذ أيام الفراعنة قبل الاف السنين، يبدو مثل هذا الوضع أشبه بكارثة، ستكون لها نتائجها السلبية بعيدة المدى ليس على مصر وحدها، بل أيضا على جيرانها خاصة والعالم العربي عامة. وهذا وضع لا يبشر بخير في أي حال.
لغة المصالح الأميركية
صبري جريس
فصل جديد في مسرحية العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية المستمرة تم عرضه مؤخراً في كل من واشنطن وتل ابيب، بدا هذه المرة مختلفاً عن تلك التي اعتدنا عليها حتى الآن. وفي هذا الفصل دروس مفيدة لكل من يعنى بالقضايا العربية، وعلى رأسها قضية فلسطين، أو من لديه النية في التعامل الجدي مع الامبرياليين والصهيونيين.
مع بداية ولايته بدا الرئيس الأميركي الحالي اوباما وكأنه “ثائر”، بالمقارنة مع أسلافه من الرؤساء الأميركيين السابقين، من حيث موقفه تجاه الإسلام والمسلمين. فبعد نصف سنة فقط على توليه مهام منصبه قام اوباما ، في مطلع حزيران 2009، بزيارة إلى القاهرة وألقى هناك خطبة عصماء كانت آية في محاولات خطب ود المسلمين والتقرب منهم، موضحاً أن بلاده، في عهده، ستسعى إلى إقامة علاقات جديدة مع العالمين العربي والإسلامي، قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. وحظي هذا الخطاب، في حينه، بتقدير كبير من قبل دوائر عربية وإسلامية عديدة. وقبل ذلك بشهرين همس اوباما بكلام مماثل، خلال زيارته إلى تركيا، لطلب مساعدتها في تسهيل انسحاب الأميركيين من العراق، بعد أن فرغوا من تدميره. والى هذا وذاك مارس بعد ذلك ضغوطاً كبيرة على إسرائيل، واجبرها على وقف استيطانها في المناطق الفلسطينية المحتلة لمدة 9 أشهر، ليطلق مجدداً المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية المتعثرة، والتي لم تسفر عن نتيجة تذكر على أي حال. وباختصار، بدا الرجل وكأنه من أفضل الرؤساء الذين عرفتهم أمريكا في مواقفه من القضايا العربية والإسلامية.
في دهاليز “المصالحة” و”الوحدة الوطنية” الفلسطينية مرة أخرى
صبري جريس
لعبة جديدة ـ قديمة، عمرها نحو 40 سنة، يتم تداولها منذ فترة في سوق السياسة الفلسطينية، بأشكال مختلفة تتغير وفق الزمان والمكان، وهي لا تختفي مرة إلا وتعود ثانية بحلة جديدة. فأيام زمان، وخصوصاً خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي، ظهرت اللعبة تحت اسم “الوحدة الوطنية” (بين فتح ومنظمات الرفض الفلسطينية)؛ ولكن مؤخراً تغير اسمها فأصبح “المصالحة” (بين فتح وحماس). والأداء المفترض لهذه اللعبة كان في كل الحالات متشابهاً، إذ أن هدفها المعلن كان دائماً السعي إلى إقامة جبهة فلسطينية موحدة، سعياً لتحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني، التي لا يمكن زعماً الوصول إليها بدون ذلك.
لا يمكن من حيث المبدأ، بل أيضاً لا يجوز لكل من يُعنى بالشأن الوطني، إبداء أية معارضة لوحدة وطنية أو مصالحة تجمع بين مكونات الشعب والوطن الواحد، خاصة في حالة شبيهة بوضع الشعب الفلسطيني، الذي يرزح تحت الاحتلال ويصارع من أجل استقلاله. ومن هنا لا يجوز إلا الترحيب بأية محاولة، مهما كانت محدودة، تهدف للوصول إلى مصالحة تحقق الوحدة الوطنية وترص الصفوف، باعتبار حالة كهذه أرضية لنشاط وطني ناجح. غير أنه، من ناحية ثانية، واضح لكل من يعنيه الأمر، أن “الوحدة الوطنية” و”المصالحة” ليست مجرد كلمات فارغة تطلق في الهواء، إذ أن لها أرضيتها ومواصفاتها وشروطاً غير سهلة لتحقيقها. فهناك منطلقات ومواقف ووجهات نظر وسياسات وتطلعات وأماني، بل أيضاً مصالح تنظيمية وكذلك شخصية، وغيرها وغيرها، لكل منها تأثيره، سلباً أو إيجاباً، في حالات كهذه؛ وهي لا تتطابق بالضرورة مع بعضها البعض، بالنسبة لكافة الأطراف. ومن هنا لا بد، عند معالجة هذه الموضوعات، التخلي عن الشعارات الطنانة والمواقف “العاطفية” إذا كان الهدف هو الوصول إلى أرضية عمل مشترك، قابل للتنفيذ.
إيران والغرب، والعرب وإسرائيل
فصول في الصراع على منطقة الشرق الأوسط
صبري جريس
معركة صاخبة، واسعة ومتشعبة، تدور بين إيران من جهة والإمبريالية الغربية، وهذه المرة بتحالف بين شطريها الإميركي والأوروبي، من جهة أخرى. وهذه المعركة تدور منذ سنوات، عندما راحت إيران تقوم بنشاط ذري، وتخف أحياناً لتعود وتستعر ثانية، من حين إلى آخر. ولا حاجة للتنويه أن المعركة ليست إلاّ صراعاً على مصير الشرق الأوسط، بالقوى العاملة أو المؤثرة فيه من جهة والمخططات التي تحاك له من جهة أخرى. وكانت آخر فصول هذه المعركة قرار الإمبرياليين الغربيين بفرض حظر على استيراد النفط الإيراني في محاولة لضرب اقتصاد البلد وضعضعة أسس الحكم فيه.
ولا شك أن لمثل هذا الصراع تأثيره بعيد المدى على مستقبل الشرق الأوسط عامة والعرب بأسرهم خاصة، دون أن نتطرق إلى أبعاده الدولية أيضاّ. ومن هنا يفترض أن يكون للعرب، أنظمة وشعوباً، موقف منه. إلاّ أن الواقع عكس ذلك تماماً. فالعرب عموماً لا يكتفون، مثلاً، باتخاذ موقف اللامبالاة، ليس على صعيد حكامهم فقط، بل أيضا من قِبَل “مفكريهم” وكُتّابهم وصانعي الرأي بينهم، إن وجد مثل هؤلاء، بل أن بعضهم، كمملكة آل سعود، يقفون عملياً مع الإمبرياليين ضد إيران فيسارعون إلى الإعلان، مثلاً، أنهم على استعداد للتعويض عن أي نقص في النفط الإيراني قد يؤثر على الأسواق العالمية بضخ المزيد من النفط من حقولهم للتعويض عن ذلك النقص، أن حدث. ويتم هذا في وضع كان من الأجدر معه بالسعوديين، بل والعرب كافة، التفاهم مع إيران، بل الاتفاق والتنسيق معها وحتى الانحياز إلى جانبها، نظراً لما قد يترتب على سياساتها، في حال نجاحها، من فوائد للمنطقة وشعوبها، على أكثر من صعيد.
«من «ربيع عربي» إلى «خريف إسلاموي
صبري جريس
أقل من سنة مرت على اندلاع الثورات الشعبية في العالم العربي، التي أطاحت بأكثر من حاكم مستبد، في حركات من المد الجماهيري غير المألوف، عُرفت باسم “الربيع العربي”، حتى تحول هذا الربيع، بامتياز وعن طريق صناديق الانتخاب، إلى “خريف إسلاموي” يبدو جافاً وقاحطاً ومنذراً بأوخم العواقب.
وحقيقة، لم يتوقع أي سياسي مطلّع غير هذه النتيجة. فحركات الاحتجاج الشعبي الواسع، التي فجرها الشباب قليل التجربة السياسية، وراحت تنتشر من بلد إلى آخر، تمكنت خلال فترة قصيرة فعلاً من إسقاط أكثر من نظام عربي، لكنها في الوقت نفسه خلقت بذلك فراغاً سياسياً لم يكن في قدرتها ملؤه بمضامين واضحة. كما لم تكن لتلك القوى الشعبية الأدوات الملائمة لذلك، من أحزاب أو تنظيمات سياسية مؤطرة وواضحة المعالم. ولذا بات الطريق مفتوحاً أمام القوى القديمة المنظمة، التي ما باتت تنخر في الجسم العربي، وأساساً الشق المسلم منه، منذ عقود؛ وفي طليعة أولئك حركة الإخوان المسلمين، لتنقض على تلك الثورات وتسرقها. ويصف بعضهم هذه الحركة، فيما يبدو أنه تعبير عن “الإعجاب” بها، كأول حركة عربية “عابرة للحدود”. وليس في هذا بحد ذاته، على أي حال، ما يدعو إلى الفخر. فحزب البعث، مثلاً، هو أيضاً حركة “عابرة للحدود”، إلا أن أداءه البائس، أو لنقل عبث البعث، أدى إلى تدمير البنى الأساسية في كيانين عربيين معتبرين وصل إلى الحكم فيهما، هما العراق وسوريا، وتسبب في أخطار فادحة، على أكثر من صعيد، تحتاج إلى عقود لتصحيحها. ولا يبدو أن وصول الإسلامويين إلى الحكم سيؤدي إلى نتائج تختلف عن ذلك. كما أن التخلف أيضاً، بكافة “نكهاته”, وخصوصاً الدينية منها، “عابر للحدود”.
«يهودية» إسرائيل
الخلية العنصرية في الفكر الصهيوني
صبري جريس
مطلب جديد راح الصهيونيون يثيرونه خلال السنوات الأخيرة في مفاوضاتهم مع الفلسطينيين حول حل المشاكل العالقة بين الطرفين، وهو الاعتراف من قبل الفلسطينيين بإسرائيل “دولة يهودية”. وكان أول من طرح هذا المطلب بطبعته الأخيرة المتجددة، وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، ثم تلقفه نتنياهو بعد أن أصبح رئيساً لحكومة إسرائيل الحالية، قبل ما يزيد على السنتين، وقام أيضا بـ “تطويره” بحيث أصبح الاعتراف بإسرائيل مطلوباً بصفتها “الدولة القومية للشعب اليهودي”.
والواضح أن أصحاب هذه الأطروحات ينطلقون، بتوجهاتهم تلك، من افتراض مفاده أن عبارات مثل “قومية” و”شعب” و”يهود” تتجانس مع بعضها البعض، وهي ليست كذلك.
بداية تجدر الإشارة، عند الحديث عن دولة يهودية، إلى أن مثل هذه العبارة، بمحتوياتها الفكرية العملية، تعتبر وفقاً للتعاليم الدينية اليهودية العرقية “غير يهودية” تماماً، بل نوعاً من الزندقة، لأنها تتعارض، من أساسها، مع المعتقدات اليهودية الدينية التي سادت خلال قرون وأجيال. فوفقاً لهذه المعتقدات غضب الله على اليهود بسبب خطاياهم فعمد إلى تدمير كيانهم المستقل، ثم شتتهم في أنحاء المعمورة. ولن يكون هنالك حل لمثل هذا الوضع إلا بإقامة الصلوات، دون توقف، والمثابرة على الابتهالات حتى يرضى الله عنهم ثانية، ويوعز بإرسال المسيح المخلص ليتولى إعادة إنشاء دولة اليهود، وجمع شتاتهم فيها، وذلك عندما يشرف الكون على نهايته. أما غير ذلك، أي الاتجاه نحو اتباع مسارات أخرى وخصوصاً السعي إلى إقامة الدولة اليهودية بقوى بشرية، كما يفعل الصهيونيون، فليس إلا الكفر بعينه، لأنه نوع من التدخل في مشيئة الله، ومحاولة لفرض تصرفات غريبة عليه.