«يهودية» إسرائيل
الخلية العنصرية في الفكر الصهيوني
صبري جريس
مطلب جديد راح الصهيونيون يثيرونه خلال السنوات الأخيرة في مفاوضاتهم مع الفلسطينيين حول حل المشاكل العالقة بين الطرفين، وهو الاعتراف من قبل الفلسطينيين بإسرائيل “دولة يهودية”. وكان أول من طرح هذا المطلب بطبعته الأخيرة المتجددة، وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، ثم تلقفه نتنياهو بعد أن أصبح رئيساً لحكومة إسرائيل الحالية، قبل ما يزيد على السنتين، وقام أيضا بـ “تطويره” بحيث أصبح الاعتراف بإسرائيل مطلوباً بصفتها “الدولة القومية للشعب اليهودي”.
والواضح أن أصحاب هذه الأطروحات ينطلقون، بتوجهاتهم تلك، من افتراض مفاده أن عبارات مثل “قومية” و”شعب” و”يهود” تتجانس مع بعضها البعض، وهي ليست كذلك.
بداية تجدر الإشارة، عند الحديث عن دولة يهودية، إلى أن مثل هذه العبارة، بمحتوياتها الفكرية العملية، تعتبر وفقاً للتعاليم الدينية اليهودية العرقية “غير يهودية” تماماً، بل نوعاً من الزندقة، لأنها تتعارض، من أساسها، مع المعتقدات اليهودية الدينية التي سادت خلال قرون وأجيال. فوفقاً لهذه المعتقدات غضب الله على اليهود بسبب خطاياهم فعمد إلى تدمير كيانهم المستقل، ثم شتتهم في أنحاء المعمورة. ولن يكون هنالك حل لمثل هذا الوضع إلا بإقامة الصلوات، دون توقف، والمثابرة على الابتهالات حتى يرضى الله عنهم ثانية، ويوعز بإرسال المسيح المخلص ليتولى إعادة إنشاء دولة اليهود، وجمع شتاتهم فيها، وذلك عندما يشرف الكون على نهايته. أما غير ذلك، أي الاتجاه نحو اتباع مسارات أخرى وخصوصاً السعي إلى إقامة الدولة اليهودية بقوى بشرية، كما يفعل الصهيونيون، فليس إلا الكفر بعينه، لأنه نوع من التدخل في مشيئة الله، ومحاولة لفرض تصرفات غريبة عليه.