إيران والغرب، والعرب وإسرائيل
فصول في الصراع على منطقة الشرق الأوسط
صبري جريس
معركة صاخبة، واسعة ومتشعبة، تدور بين إيران من جهة والإمبريالية الغربية، وهذه المرة بتحالف بين شطريها الإميركي والأوروبي، من جهة أخرى. وهذه المعركة تدور منذ سنوات، عندما راحت إيران تقوم بنشاط ذري، وتخف أحياناً لتعود وتستعر ثانية، من حين إلى آخر. ولا حاجة للتنويه أن المعركة ليست إلاّ صراعاً على مصير الشرق الأوسط، بالقوى العاملة أو المؤثرة فيه من جهة والمخططات التي تحاك له من جهة أخرى. وكانت آخر فصول هذه المعركة قرار الإمبرياليين الغربيين بفرض حظر على استيراد النفط الإيراني في محاولة لضرب اقتصاد البلد وضعضعة أسس الحكم فيه.
ولا شك أن لمثل هذا الصراع تأثيره بعيد المدى على مستقبل الشرق الأوسط عامة والعرب بأسرهم خاصة، دون أن نتطرق إلى أبعاده الدولية أيضاّ. ومن هنا يفترض أن يكون للعرب، أنظمة وشعوباً، موقف منه. إلاّ أن الواقع عكس ذلك تماماً. فالعرب عموماً لا يكتفون، مثلاً، باتخاذ موقف اللامبالاة، ليس على صعيد حكامهم فقط، بل أيضا من قِبَل “مفكريهم” وكُتّابهم وصانعي الرأي بينهم، إن وجد مثل هؤلاء، بل أن بعضهم، كمملكة آل سعود، يقفون عملياً مع الإمبرياليين ضد إيران فيسارعون إلى الإعلان، مثلاً، أنهم على استعداد للتعويض عن أي نقص في النفط الإيراني قد يؤثر على الأسواق العالمية بضخ المزيد من النفط من حقولهم للتعويض عن ذلك النقص، أن حدث. ويتم هذا في وضع كان من الأجدر معه بالسعوديين، بل والعرب كافة، التفاهم مع إيران، بل الاتفاق والتنسيق معها وحتى الانحياز إلى جانبها، نظراً لما قد يترتب على سياساتها، في حال نجاحها، من فوائد للمنطقة وشعوبها، على أكثر من صعيد.
وقبل الخوض في التفاصيل ينبغي التوضيح أننا، بدعوة كهذه، لا نبدي “إعجاباً” بالنظام الإيراني أو موافقة على كل هوسا ته. فهذا النظام في أساسه، اسلاموي متحجر، يفاخر مرشد ثورته الأعلى خامنئي، مثلا، بظهور الحجاب في آماكن لم تعرفه سابقا، وكأن انجازا علميا كبيرا أو نعمة حلت على الإنسانية بفضل ذلك، فيما يحذر أتباعه من “الانزلاق” نحو العلمانية والليبرالية. كما أن هذا النظام متخلف وضيق الأفق، سلطوي وقمعي، لا يتردد حتى في تنفيذ أحكام الإعدام بحق القاصرين. وهو أيضا يحتل جزراً عربية في الخليج ويطالب بالبحرين، وإضافة إلى ذلك، لا يحسن معاملة الأقلية العربية التي تقطنه. ولهذا إن كان هناك من شعور بضرورة الوقوف إلى جانبه أو التعاطف معه فإن ذلك يتم فقط من باب المثل القائل بأنه لا يدفعك إلى قبول المر إلاّ الأمّر منه. فإيران تحاول، على الأقل، عمل شيء ما بينما العرب لا يحاولون شيئاً. ففي مقابل إيران هنالك، مثلاً، الفيل المصري، الذي يتحول نظامه تدريجياً إلى إسلاموي يسير في ركاب الإمبرياليين، بينما الجمل السعودي موجود هناك منذ عقود، يتموضع قلباً وقالباً في نواة النظام الإمبريالي. أما باقي ما يعرف باسم الدول العربية، من الخليج إلى المحيط، فليست إلاّ كيانات “فراطة” (و”الفراطة” هي العملية المعدنية الصغيرة التي ينبغي جمع العشرات منها، وأحياناً أيضاً أكثر من ذلك، للحصول على ما تساوي قيمته ورقة نقدية واحدة)، وهي ليست في العير ولا في النفير.
ولهذا لم تبق إلاّ إيران، مع حلفائها العلنيين والجانبيين، في ميدان مقارعة النفوذ الإمبريالي في المنطقة. وهذا النفوذ، مع حلفائه المحليين من عرب أو غيرهم هو أساس البلاء، ومصدر المصائب الني تنهال على رأس الشرق الوسط وشعوبه، وخصوصاً العرب، منذ قرن على الأقل. ومن يصبو إلى التحرر من هذا النير، أو يتطلع إلى مستقبل أفضل للمنطقة، تستطيع شعوبها معه الإمساك بزمام أمورها، لا يستطيع إلاّ أن يتعاطف مع إيران ويتمنى لها المزيد من القوة والتقدم، على طريق دحر النفوذ الإمبريالي في المنطقة أو، على الاقل، احتوائه أو تحجيمه، وذلك رغم تحفظاتنا العديدة، في أكثر من مجال، على إيران نظاماً وسياسة.
مُكره أخاك لا بطل
لا يبدو أن السياسة التي تنتهجها إيران وتنادي بها حالياً جاءت نتيجة تخطيط مسبق وتفكير عظيم، شبيه بالمخططات الإمبريالية العريقة، بل على العكس من ذلك يبدو أنها تبلورت من خلال التجربة والخطأ، تدريجياً وعلى مراحل. بل والأكثر من ذلك يبدو أن إيران، بعد أن تعافت من أمراض طفولة ثورتها الإسلامية، اضطرت إلى بلورة مثل هذه السياسة وإتباعها، حفاظاً على بقائها، ومن باب مُكره أخاك لا بطل.
شهدت إيران، خلال العامين 1978-1979، موجة من الاحتجاجات والاضطرابات المعادية لنظام حكم الشاه فيها، تكاد تكون شبيهة بتلك التي شهدتها أكثر من دولة عربية خلال العامين الأخيرين، فيما عرف باسم “الربيع العربي”. واشتدت هذه الاحتجاجات حدة لدرجة اضطر معها أخيراً شاه إيران، والذي رأس حكماً فاسداً كان مرتبطاً بعرى وثيقة بالإمبرياليين الأمريكيين وعملائهم الصهيونيين، بل أقام علاقات ود وثيقة معهم، إلى النزوح عن البلاد واختيار المنفى، فيما عاد عدوه اللدود الأمام الخميني من المنفى إلى بلده. وعلى الأثر جرت انتخابات في البلد تمكن الإسلاميون خلالها من الحصول على الأكثرية، تماماً كما فعل أقرانهم في مصر، وإن كان أولئك شيعة وهؤلاء سنة، فسرقوا ثورة الشعب الإيراني، وأعلنوا إيران جمهورية إسلامية في أول نيسان 1980، ونصب الإمام الخميني مرشداً عاماً للثورة.
ومع إنشاء الجمهورية الإسلامية في إيران سارع جارها العراق إلي مد يد الصداقة لها، وصدر عن صدام حسين حينها أكثر من تصريح، في أكثر من مناسبة، رحّب فيه بالثورة في إيران، معرباً عن أمله في إقامة علاقات صداقة وتعاون بين البلدين، رغم المشاحنات التي قامت سابقاً بينهما بسبب خلافات على الحدود. إلاّ أن الخميني الثائر جداً، لم يأبه بذلك كثيراً، بل أنه على العكس من ذلك أمعن في إظهار العداء للعراق وراح يدلي بتصريحات كاد يبدو معها وكأنه يريد العودة إلى “أمجاد” الحروب القديمة بين الفرس والعرب. ولم يكتف بذلك، بل أنه، من ناحية ثانية، ناصب الغرب العداء بشدة وأطلق على أميركا، مثلاً، اسم “الشيطان الأكبر” (وهو لم يبتعد عن الحقيقة كثيراً، على أي حال، في قوله هذا) وأصبحت إسرائيل “الشيطان الأصغر” (وطور خليفته خامنئي فيما بعد هذا الموقف ليعلن انه لا خير في إسلام يهادن إسرائيل وأميركا). ثم، والأنقى من ذلك كله، راح يعمل على تصدير الثورة إلى خارج إيران، ويساعد القوى المناوئة للأنظمة في هذا المكان أو ذاك. وهنا كان خطأه، فالإمبرياليون على وجه العموم، لا يبدون اهتماما كبيراً بالشعارات الطنانة، حتى وإن كانت تتعلق بالأسلمة، ولا يعارضون تعميم اللحية والجلباب والحجاب، كما أنهم لا يأبهون أيضاً بالإفراط في إقامة الصلوات ولا حتى الإغراق في الغيبيات شرط أن لا يتعارض ذلك كله مع مصالحهم، السياسة ومن ثم الاقتصادية، وبالتالي نفوذهم. أما الحديث عن تصدير الثورة، ومن ثم اتخاذ إجراءات عملية في هذا الصدد هنا أو هناك، فأنه نشاط خارج عن قواعد اللعبة، نهايته إلحاق الضرر بالمصالح الإمبريالية، ولذلك لابد من التصدي له، خصوصاً وأنه يأتي من قبل دولة عالم ثالث متخلفة وضعيفة مثل إيران، تستطيع بصعوبة تدبير أمورها، وذلك بالقضاء على مثل ذلك النظام وإسقاطه، إذا أمكن، أو على الأقل تحجيمه واحتواءه.
ولم يتأخر تنفيذ المخطط طويلاً. فبعد أقل من سنة ونصف السنة على إنشاء جمهورية إيران الإسلامية، وفجأة ودون سابق إنذار، شن الجيش العراقي في أيلول 1980 هجوماً برياً واسعاً على الحدود الإيرانية العراقية، الطويلة للغاية، وتوغل داخل الأراضي الإيرانية، بينما أعلن صدام حسين الحرب على البلد، بعد أن أوحي له بذلك، متذرعاً بالخلاف على الحدود بينهما، مع العلم أن اتفاقية كانت قد وقّعت بين البلدين سنة 1975 في الجزائر تقضي بحل تلك المشاكل (والبعث معروف، على أي حال، بقدراته اللا-أخلاقية الفائقة على الغدر بأصدقاء العمر بين ليلة وضحاها، تماماً فيما يشبه الممارسات الفاشية). وعلى أثر ذلك نشبت حرب بين الطرفين، استمرت 8 سنوات، حتى 1988، عندما أعلن الخميني أن إيران تجد نفسها مضطرة إلى الإقرار بالهزيمة و”ابتلاع السم”، على حد تعبيره، بالموافقة على إنهاء الحرب.
ولم تسفر الحرب الإيراينيةـالعراقية، على أي حال، عن فوائد تذكر بالنسبة لأي من الطرفين، بل بدا حقيقة أنها لم تخرج عن إطار حرب عبثية لم تكن لها حاجة أصلاً. وقد ذاقت إيران الأمرين خلال هذه الحرب وتكبدت خلالها خسائر فادحة، ولكنها تعلمت أيضاً دروساً مفيدة للغاية في علم المخططات الإمبريالية ومسالكها وأبعادها. فمع استمرار الحرب لوحظ أن ما يزيد على دزينة من الدول، معظمها غربية أو عربية، راحت تصطف وراء بعضها البعض وتقدم مختلف المساعدات، من مالية أو عسكرية أو استخباراتية للعراق، لشد أزره وتقويته على إيران. وبرزت بشكل خاص في هذا المجال فرنسا، التي باعت العراق العشرات من طائرات الميراج المقاتلة الحديثة. وحدث مرة أن قامت إيران، ذات ليلة، بإطلاق صاروخين على بغداد فرد الطيران العراقي، بالميراج، في الصباح بشن غارات متزامنة على 10 مدن إيرانية دفعة واحدة موقعاً فيها خسائر فادحة (وخلال حرب العراق الثانية هربت نحو 150 من هذه الطائرات، لتتجنب تدميرها في القصف الأمريكي، وحطت في … إيران، التي صادرتها على حساب ما تطالب به العراق من “تعويضات” جرّاء حربه عليها). وفي ظل هذا التعاطف والتكافل الدوليين مع العراق، ومن ثم مساعدته بسخاء، لم يتبق أمام إيران إلاّ إعلان هزيمتها وإنهاء الحرب وفق الشروط العراقية. وتعلمت إيران ما يفترض أن تتعلمه من دروس في هذه الحرب، كان أولها أن رأس الثورة الإسلامية مطلوب من قِبَل الإمبرياليين، الذين شنوا الحرب عليها، بأيد عراقية هذه المرة، وقد يشنوها في المستقبل مرة أخرى، بأيدٍ إسرائيلية، مثلاً، تتعاون حتى مع بعض الحكام العرب. ومن هنا كان لابد في تقوية قدرات إيران، وعلى رأسها العسكرية، وصقلها من ناحية، وتخفيف حدة العداء للعالم بأسره عامة وجيرانها خاصة، والسعي إلى إيجاد الحلفاء والتعاون معهم، بل مد يد الصداقة لكل من يبدي استعدادا لقبولها من ناحية ثانية.
وفي مقابل هذا الاتجاه الإيراني الجديد لم يتعلم صدام حسين شيئاً، عدا عن المثابرة على رعونته والإمعان فيها. فبعد أقل من سنتين على غزو إيران قام، مرة أخرى، بغزو بلد ثان جار له هو الكويت، خلال آب 1990، بعد أن أوحي له بذلك كالعادة، وهذه المرة من قِبل السفيرة الأميركية في بغداد. إلاّ أنه، هذه المرة، اختار الجانب الخطأ، بعد أن وقع في معصية تحدي المصالح الإمبريالية. ولذلك سرعان ما قام الأميركيون، بمساعدة حلفائهم وأتباعهم في كافة أنحاء العالم، بإقامة “تحالف” ضم أكثر من 30 دولة، بينها عدد من الدول العربية أيضاً، من أجل “تحرير” الكويت. وفي مطلع 1991 تعرض العراق لهجوم كبير من هذه القوات، التي تركزت في حفر الباطن في السعودية، استمر نحو 40 يوماً، وأدى إلى تدمير قوات البلد العسكرية ومهد الطريق أمام فرض عقوبات عليه من قِبَل مجلس الأمن، دمرت قواه الاقتصادية أيضاً. ولم يكتف الإمبرياليون الأميركيون بهذه النتائج، بل أنهم ثابروا على اختراع مختلف الذرائع والحجج، مثل امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل التي اتضح فيما بعد أنها كانت جميعاً باطلة، لشن حرب ثانية على العراق في آذار 2003، أدت إلى احتلال البلد عملياً وإسقاط نظامه ومن ثم القبض على صدام حسين وإعدامه في أواخر سنة 2006.
احتواء إسرائيل
فيما كان العالم منهمكاً بالجنون الأميركي تحت حكم البوشين، الأب والابن، وهوسهما بالعراق، بحيث بدا كأنه لا مشكلة في العالم غير ذلك البلد، توجهت الأنظار بعيداً عن إيران، فتمتعت بفترة من الهدوء وعدم الاكتراث بها دامت 15 سنة متتالية. واستغلت إيران هذه الفترة على احسن وجه لتنمية قدراتها، في أكثر من مجال، وخصوصاً العسكري منها، فتمكنت من إقامة جيش عصري، عملت على تزويده بأحدث المعدات. ثم راحت تطور وسائل قتال جديدة، وخصوصاً الصواريخ بمختلف أنواعها، بمساعدة كوريا الشمالية والصين. وعندما استكملت بناء قوات عسكرية تقليدية، تستطيع بواسطتها الدفاع عن نفسها، راحت تطرق باب النشاط الذري.
ولكن إيران ، إضافة إلى ذلك، لم تنس تماماً حبها لتصدير الثورة، فاستمرت في ممارسة هذه الهواية، وإن على نطاق ضيق. وفي هذا المجال وجدت متنفساً لها بين الإخوة الشيعة في لبنان، إذ عمدت إلى دعم حزب الله، على حساب حركة أمل أميركية الهوى، فأمدته بكافة أنواع المساعدات، وعلى رأسها العسكرية، التي جعلت منه قوة لا بأس بها في لبنان. وفي وضع كهذا راح الحزب يصعد من مقاومته للمحتل الإسرائيلي في جنوب لبنان، إلى أن اضطر الجيش الإسرائيلي هناك، تحت وطأة الهجمات المتتالية عليه، إلى الهرب من تلك المنطقة خلال يوم واحد فقط (24 أيار 2000) بعد أن كان الإسرائيليون يزعمون، خلال الـ18 سنة الماضية أن وجودهم هناك ضروري للحفاظ على أمنهم.
ولم يكن في الهرب من لبنان، بالطريقة التي تم بها ذلك، ما يشفى غليل إسرائيل أو يخفف من حلفها، بل أن عسكرها اعتبر ذلك نوعاً من المس بهيبته وإذلاله، ومن ثم فقدان قدرته على الردع. ولذلك راحوا يعدون الخطط لاستعادة دورهم السابق ويتربصون بلبنان وحزب الله شراً. وما أن لاحت أول فرصة لهم، عندما قام حزب الله بخطف 4 جنود إسرائيليين، في كمين نصبوه على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية، في مطلع حزيران 2006، حتى قامت إسرائيل بشن عدوان واسع على لبنان، أفرطت فيه باستعمال القوة، وخصوصاً القصف من الجو، مما أسفر عن وقوع أعداد كبيرة من القتلى بين المدنيين الأبرياء، عدا عن الدمار الهائل الذي لحق بالبني التحتية. وبذلك توهمت إسرائيل أنها ستردع خصومها وتثنيهم عن المثابرة في التصدي لها، بعد أن يروا حجم الدمار الذي لحق ببلدهم. إلاّ أن طريقة إدارة هذه الحرب، بحد ذاتها، جاءت دليلا على عجز إسرائيل في مواجهة تنظيمات مسلحة، دون أن نقول جيوشاً نظامية، من جهة، ومن ثم خوفها في مواجهات متتالية على الأرض وجهاً لوجه وحرب لا نهاية لها، من جهة أخرى. بل والأنكى من ذلك أن تلك الحرب ساهمت في إثبات نظريات وأساليب قتال جديدة، سيكون لها تأثيرها في أية مواجهات قادمة، إن وقعت، بين إسرائيل وجيرانها، خاصة الشماليين منهم، لجهة ردع عسكر إسرائيل ولجم عربدته، وبالتالي تحجيم قدراته ـ وهو لم يكن في حساب الصهيونيين.
لقد خاض مقاتلو حزب الله مع إسرائيل، عند هجومها على لبنان سنة 2006، ما يكن تسميته حرب عصابات تكنولوجية، ذات مستوى رفيع وجديد، لا عهد لأحد به سابقاً. فخلال تلك الحرب التي استمرت أكثر من شهر، أطلق حزب الله نحو 4 آلاف صاروخ، من مختلف الأنواع، على شمال إسرائيل، وعملياً نصف مساحتها المأهولة تقريباً، إذ وصلت طلائع تلك الصواريخ إلى خط بيسان – العفولة – الخضيرة (نحو 80 كم شمالي تل أبيب). وكان من نتيجة ذلك أن شلت الحياة تماماً في النصف الشمالي من البلد وقضى نحو مليون ونصف المليون إسرائيلي معظم أوقاتهم، خلال تلك الفترة، في الملاجئ، وذلك عدا عن الأضرار الاقتصادية والمعنوية وغيرها الناجمة عن ذلك.
ولم يكتف حزب الله باستعمال الصواريخ على هذا الشكل، بل أنه وسّع نطاق استخدامها لتشمل مجالات أخرى أيضاً، مطلقاً تحديات جديدة لعسكر إسرائيل، ليس من السهل تجاهلها. فقد استعمل، مثلاُ، نوعاً آخر من هذه الصواريخ، من طراز أرض- جو لإسقاط إحدى الطوافات الإسرائيلية في جنوب لبنان، فكان نتيجة ذلك أن حيدت تلك الطوافات وتوقفت عن دخول المجال الجوي اللبناني. ثم استعمل نوعاً ثالثاً منها، من طراز بر- بحر، في ضرب سفينة القيادة الإسرائيلية وإعطابها، مما أسفر عن مقتل 4 من ملاحيها، فيما كانت تقصف بيروت من البحر، فكان من نتيجة ذلك أن انسحبت الزوارق الإسرائيلية إلى عمق البحر، ولم يعد لها دور فاعل في المعركة. وأخيرا استعمل نوعاً آخر، رابعاً، في “قرش” مجموعة من الدبابات الإسرائيلية، الأحدث صنعاً، كانت تقود هجوماً برياً وقع خلال الأيام الأخيرة من الحرب، فتوقف الهجوم البري في أعقاب ذلك. وفي مقابل هذا التنوع في أساليب المقاومة وطرقها لم يبق لإسرائيل إلا طيرانها، التي استعملته بكثافة عالية، محدثة دماراً كبيراً، خصوصاً في الضاحية الجنوبية من بيروت، وان لم يكن في ذلك ما استطاع منع الصواريخ من تأدية دورها، إذا استمر سقوطها على إسرائيل، وبالوتيرة نفسها، ليل نهار فقط، منذ أول الحرب حتى آخرها.
وبحربهم على لبنان وقع الإسرائيليون، عملياً، في إحدى أخطائهم الكبرى في الحقبة الأخيرة. فقد “ساهموا” بذلك عملياً في نجاح “البروفة” الأساسية لأساليب حرب جديدة، هي حرب الصواريخ، التي ليس لإسرائيل باع طويل فيها، بل يبدو أنها وجدت للجم من كان على شاكلتها بالذات. فقد استفاد حزب الله، صاحب باب الاجتهاد المفتوح، بصورة واضحة من تلك التجربة والانجازات التي حققها في لجم العدوان الإسرائيلي، ووسّع ترساناته، بمساعدة إيران وسوريا، لتشمل أنواعاً جديدة من تلك الصواريخ، أطول مدى وأكثر دقة ودماراً، تغطي كافة المناطق المأهولة في إسرائيل، بصورة غير مسبوقة. كما تنبهت سوريا أيضاً لتجربة حزب الله هذه فعمدت إلى توسيع وتنويع ترسانتها الصاروخية، الضخمة أصلاً، خصوصاً وأنها تصنع أنواعاً من هذه الصواريخ بنفسها. وخلال الحرب كان الصاروخ السوري الصنع من عيار 130مم، من أكثر الصواريخ التي أطلقت على إسرائيل فتكاً. والأنكى من ذلك كله تلك الدروس المفيدة في هذا المجال التي كانت من نصيب إيران، وهي الرائدة في المنطقة في مجال تطوير الصواريخ وصناعتها، بالعمل على تحديث وإنتاج أنواع جديدة منها. والواضح أن هذه القدرات العسكرية المستحدثة ستبقى ملكاً لتلك الأقطار حتى وان تغيرت أنظمة الحكم فيها، وسيكون لها تأثيرها الملموس على ميزان القوى في المنطقة لجهة لجم العدوانية الإسرائيلية وتحجيمها.
إن استنتاجات من هذا القبيل ليست مجرد كلام يلقى على عواهنه، بل أنها فحوى ما يقدمه كبار قادة إسرائيل وعسكرها. فقد علق أحدهم على هذا الوضع المستجد بقوله، وهو يندب حظ دولته، أنه فيما كانت إسرائيل قادرة، خلال العقدين المنصرمين، على قصف (والإسرائيليون لا يحلمون إلاّ بالقصف وما شابهه) أية منطقة في الشرق الأوسط فإنها حالياً في وضع أصبحت معه كل نقطة فيها معرضة للقصف في أي وقت. ويستفاد من وثائق ويكيليكس السرية، مثلاً، التي تم تسريبها، أن مسؤولين إسرائيليين أبلغوا زملاءهم الأمريكيين أنهم يتوقعون، في حال نشوب حرب جديدة، سقوط نحو 100 صاروخ يومياً على تل أبيب. ويضيف مئير داغان، رئيس الموساد السابق، في معرض تحذيره من الاتجاهات المحبذة قصف المنشآت الإيرانية الذرية، على اعتبار أن إسرائيل قادرة على ذلك، من أن هذا قد يؤدي، كإجراء انتقامي، إلى قيام إيران بإطلاق عشرات الصواريخ يومياً على إسرائيل لمدة بضعة أشهر. أما رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي فيعلن أن هنالك في إيران وسوريا ولبنان نحو 200 ألف صاروخ موجهة إلى إسرائيل، معظمها إلى منطقة تل أبيب بالذات، وهي عصب إسرائيل.
ولسنا بحاجة ماسة، على أي حال، إلى مثل هذه التصريحات للوقوف على أبعاد هذا الوضع الإستراتيجي الجديد، إذا تكفينا بعض الوقائع الملموسة على الأرض. فمنذ بضعة سنوات تركّز مناورات الدفاع المدني الإسرائيلي السنوية، واسعة النطاق، على تدريب الكوادر لمجابهة وضع من مئات (ولفظة “مئات” من استعمال المسؤولين الإسرائيليين) الصواريخ، ومن بينها من قد يحمل رؤوساً غير تقليدية، أي كيماوية مثلاً، قد تسقط على الكيان الصهيوني في حال نشوب حرب جديدة. كذلك تعمل إسرائيل على استحداث منظومات مضادة للصواريخ تكون قادرة على اعتراضها قبل وصولها إلى أهدافها، بل أنها حققت نجاحاً ما في هذا المضمار. إلاّ أن مثل تلك المنظومات تبدو محدودة الفعالية، فهي قادرة على اعتراض الصواريخ قديمة الصنع إن أطلقت منفردة، ويشك في إمكانية تصديها لزخات من الصواريخ تطلق تباعاً، أو مجابهة الأجيال الجديدة من الصواريخ، ذات الرؤوس المتعددة والمزودة بـ”دفاعات” إلكترونية تمكنها من اعتراض من يحاول اعتراضها.
وقد يقال، في هذا الصدد، أن لدى إسرائيل طيرانها، التي قد تستعمله بكثافة إن اضطرت إلى ذلك، كما جرت عليه العادة في الماضي، رغم أن زخات الصواريخ الأولى ستنهمر، في حال نشوب حرب، حسب تقديرات الإسرائيليين، على القواعد العسكرية أولا، وفي رأسها المطارات، ثم البني التحتية. إلاّ أنه يمكن أن يقال أيضاً أن بضع عشرات، دون الحديث عن مئات، من الصواريخ تطلق على إسرائيل يومياً، لبضعة أيام، كافية لتهدئة أعصاب قادتها ودفعهم نحو التعقل وتجنب التصعيد. وقد يقال كذلك أن لدى إسرائيل أسلحة نووية، قد لا تحجم عن استعمالها في الضائقة. إلاّ أنه يمكن أن يقال أيضاً انه لدى الطرف الآخر من الرؤوس غير التقليدية، أي الكيماوية، ما يكفي لردع إسرائيل حتى في هذا المجال. فكيان صغير المساحة مثلها، يتركز نحو نصف سكانه في بضعة عشرات من الكيلومترات المربعة، في منطقة تل ابيب الكبرى، لا يستطيع المغامرة باستعمال أسلحة غير تقليدية، أياً كان نوعها، نظراً لتأثيرها المعاكس والمدمر عليه.
الردع وراء الباب
كان لحرب لبنان 2006، بالأداء الذي أبداه حزب الله خلالها، تأثيرها الواضح على ميزان القوى بين إسرائيل ولبنان ولاحقاً في المنطقة. فما أن انتهت الحرب حتى راح الحزب يعيد تنظيم قواته ويتسلح، بمساعدة إيران وسوريا، بأجيال جديدة من الصواريخ، حديثة الصنع، طويلة المدى ودقيقة الإصابة. وعملياً تحولت قوات الحزب، عدة وعتاداً وتدريباً إلى ما يشبه فرقة في الجيش الإيراني. ويقال أن صواريخ كاتيوشا التقليدية، ذات مدى 30-40 كم، التي كانت “نجم” حرب 2006، واستعملت بغزارة خلال تلك الحرب، قد أحيلت إلى التقاعد، بعد أن اعتبرت نوعاً من الدمى توزع على الصغار للهو بها، إذ تم استبدالها بصواريخ جديدة متنوعة، يبدأ مداها من 80 كم ليصل إلى ما يقارب 250 كم أو أكثر، بما يغطي كافة المناطق المأهولة في إسرائيل. وما أن تم ذلك حتى راح نصرا لله يحذر من أي قصف إسرائيلي لمكان أو منشأة في لبنان سيجر قصفاً لمثيلتها في إسرائيل ودون إبطاء. وأخيراً لخص إستراتيجيته الجديدة بإعلانه أن أي حرب جديدة بين إسرائيل ولبنان،إن نشبت، ستبدأ هذه المرة من تل أبيب، وليس على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية. ولم يسمع تصريح إسرائيلي يرد على هذه التحذيرات.
وكان لهذا التغيير في ميزان القوى، رغم عدم شموليته، تأثيره الإيجابي الواضح على موقف الثنائي اللبناني ـ الإسرائيلي من بعضهما البعض، وربما على مجمل القضايا العربية. وأمثلة قليلة توضح ذلك، لعل أولها قصة نهر الليطاني واستغلال مياهه من جهة وتطور الجنوب اللبناني من جهة أخرى. وعودة سريعة إلى جذور هذه القضية تبدو ضرورية، للوقوف على أبعادها. فخلال المفاوضات حول ترسيم حدود فلسطين، التي كان من المفترض أن تخصص لإقامة الوطن القومي اليهودي فيها، وفق وعد بلفور، وذلك قبيل فرض الانتداب البريطاني على البلد في مطلع عشرينات القرن الماضي، قدم الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان (فيما بعد رئيس المنظمة الصهيونية العالمية ولاحقاً أول رئيس لإسرائيل) خريطة اقترح بموجبها أن تكون حدود فلسطين الشمالية على خط نهر الليطاني ـ جبل الشيخ. والهدف من ذلك كان ضم أكبر مواقع خزانات المياه ومصادرها في المنطقة، الضرورية لدعم الاستيطان الصهيوني، الذي كان يومها في بدايته ومحصوراً في منطقة الساحل الفلسطيني، قليلة الموارد المائية. وقد قُبل طلب وايزمان هذا، ولكن جزئياً فقط، إذ رسمت حدود فلسطين الشمالية، باتفاق بين الانتدابين الفرنسي والبريطاني، لتقع على بعد نحو 40 كيلومتراً جنوب الليطاني، الذي بقي بأكمله داخل لبنان، بينما وسعت الحدود في منطقة جبل الشيخ وهضبة الجولان لتضم ينابيع نهر الأردن.
وفي منتصف الخمسينات، شهدت منطقة الشرق الأوسط حراكاً كبيراً، شاركت فيه قوى عالمية وإقليمية مختلفة لأجل إقامة مشاريع مياه وري مشتركة بين إسرائيل وجيرانها، ولكنها كلها باءت بالفشل؛ وفي النهاية راحت كل دولة تعمل لوحدها في هذا المجال. ونتيجة لذلك قامت إسرائيل يومها بتنفيذ مشروع تحويل مجرى نهر الأردن وجر مياهه إلى النقب، فيما أعلن لبنان انه سيقوم بتنفيذ مشاريعه المائية الخاصة به، ومن ضمنها مشروع الليطاني. إلاّ في إسرائيل، ببلطجتها المعهودة، عارضت ذلك، موحية أنها قد تتصدى لمثل هذا المشروع وتمنع تنفيذه بالقوة. ولم يستطع لبنان بحكوماته المتعاقبة والمتخاذلة (وفي ذلك البلد، وكما يبدو بسبب تركيبته، لا تشكل، على وجه العموم، إلاّ حكومات تكون، في أحسن الأحوال، شبه متخاذلة) القيام بأي عمل في هذا الصدد. وبقي الجنوب اللبناني مهملاً، بائساً، فقيراً وجافاً، فيما مياه الليطاني، الذي يمر وسطه، تذهب هدراً إلى البحر.
بقي هذا الوضع على ما هو عليه من الإهمال والتقاعس نحو نصف قرن إلى أن قرر حزب الله، قبل نحو 10 سنوات، بعد هرب إسرائيل من الجنوب، تنفيذ مشروع محدود لنقل مياه الشرب من الليطاني إلى القرى المجاورة له. وقامت قيامة إسرائيل عندما علمت بذلك وراحت تهدد وتتوعد موضحة أنها تعارض المشروع وقد لا تتردد في قصفه وتدميره إن تم تنفيذه. ولم يأبه حزب الله بهذه التهديدات، بل استمر قدماً في مخططات التنفيذ، إلى أن حان يوم افتتاح المشروع وبدء العمل به، فتصاعد التوتر بصورة ملحوظة، إذ عقدت حكومة إسرائيل في اليوم ذاته في منتصف الأسبوع، على غير عادتها، اجتماعاً طارئاً لبحث هذه التطورات وكيفية الرد عليها. أما حزب الله فقد أعلن على الملأ أن قيادته السياسية منحت تفويضاً لقادة الميدان العسكريين بالرد الفوري على أي اعتداء إسرائيلي، بما يرونه مناسباً، دون العودة إليها لأخذ موافقتها. وفي الوقت نفسه أُبلغت إسرائيل، من طرف خفي، أن أي اعتداء على هذا المشروع قد يؤدي إلى قصف منشآت المشروع القطري الإسرائيلي لتحويل مياه الأردن إلى النقب، القريبة أساساً من الحدود، وباستطاعة الكاتيوشا التقليدية أن تطالها من داخل الأراضي اللبنانية. وكانت النتيجة أن هدأت أعصاب حكومة إسرائيل فأعلنت أنها لا تسعى إلى زيادة حدة التوتر في المنطقة ولذلك لن تتعرض للمشروع بسوء، فانطلق في طريقه.
ومؤخراً باشر لنبان بتنفيذ مشروع استكمالي ضخم للسابق وهذه المرة بإشراف من حكومته وتمويل من الكويت و”رعاية” من حزب الله، يهدف إلى إقامة شبكات الماء للشرب والري للمنطقة بأسرها، وإنتاج الكهرباء أيضاً. ولم تنبس إسرائيل ببنت شفة هذه المرة، بل أبدت عدم اكتراثها وكأن الأمر لا يعنيها، واختفت تلك التهديدات الإسرائيلية التي اعتدنا على سماعها خلال نصف قرن. وإضافة إلى ذلك، وبموازاته وفي أعقابه، يشهد الجنوب اللبناني حالة من النهوض والعمران لم يعهدها سابقاً، إضافة إلى التمتع بحالة من الأمن والأمان. ففي الماضي، وعلى وجه التحديد قبل أن تحكم المقاومة وجودها في جنوب لبنان، المهمل من قبل السلطات المركزية في بيروت، اعتادت دوريات الجيش الإسرائيلي، مثلا، على اجتياز خط الحدود، عندما يحلو لها ذلك، وإقامة نقاط تفتيش مفاجئة، داخل الأراضي اللبنانية، حيث تقوم بكل وقاحة بالتدقيق في هويات المارين، بل تفتيشهم أيضا؛ ثم تعود إلى قواعدها. أما الآن فباستطاعة كل شخص يسافر على الشارع الحدودي الشمالي في إسرائيل، الذي يمر بموازاة الحدود اللبنانية، أن يشاهد أبنية جديدة وحديثة، معظمها يتكون من أكثر من طابق، تقام تباعاً في أقرب القرى اللبنانية إلى الحدود الإسرائيلية، فيما يقوم المزارعون اللبنانيون باستغلال أراضيهم والعمل فيها، حتى يصلون إلى بضعة أمتار من الحدود. وفيما يبدي أولئك المزارعون هدوءاً وثقة بالنفس، وهم يعملون دون وجل في أراضيهم، يلاحظ أن السيارات الإسرائيلية تمر بسرعة مقابلهم ويكاد يبدو كأن الخوف يطارد سائقيها.
والواضح أنه لولا ذلك التغيير الذي طرأ على ميزان القوى في هذه البقعة، وهو قائم إلى حد كبير بفضل وجود حزب الله وجهوده، لما حدث مثل هذا التغيير الإيجابي لصالح اللبنانيين، وبقيت إسرائيل تصول وتجول هناك، تمنع التقدم وتنغص حياة البشر والحجر. وقديماً قال المثل: لا يرد الرطل إلاّ رطل وأوقية.
ولم يتوقف نشاط حزب الله الوطني عند هذا الحد، بل انه اقتحم مجالات أخرى، تكاد تبدو كأنها هامشية ولكنها حساسة وفعالة للغاية. فخلال السنوات الثلاث الأخيرة اكتشفت وفككت في لبنان نحو دزينة (نعم، دزينة) من شبكات التجسس الإسرائيلية فيما أوضح الإعلام الإسرائيلي أن ذلك تم من خلال تعاون حزب الله مع مخابرات الجيش اللبناني. وقد نشرت عشرات من أسماء أولئك الجواسيس في وسائل الإعلام اللبنانية، كما نشر الكثير عن “مغامراتهم”، مما يثير الهلع والخوف في آن معاً، نظراً لوجود عدد من الشخصيات “الرفيعة” بين أعضاء تلك الشبكات من جهة، والأساليب الجهنمية التي اتبعوها وتغلغلهم في نواح مهمة من الحياة اللبنانية من ناحية أخرى.
تحجيم النفوذ الإمبريالي
إن ما يقوم به حزب الله، يد إيران الطويلة في جنوب غرب آسيا، الذي يجلس فوق رقبة إسرائيل، و”يدغدغ” مؤخرة رأسها من حين إلى آخر، ليس إلاّ صورة مصغرة لما تحاول إيران فعله، على نطاق واسع، لجهة تحجيم النفوذ الإمبريالي الغربي في المنطقة، أو القضاء عليه إذا أمكن. ولا يستطيع الإمبرياليون، بالطبع، قبول مثل هذه الاتجاهات ولا السكوت عنها، نظراً لانعكاساتها السلبية على مصالحهم. ومن هنا لابد من التصدي لذلك، بمحاولة الضغط على إيران أو تخويفها أو التخريب عليها أو حتى محاولة ضربها عسكرياً، بل اسقاط نظامها اذا آمكن ذلك. غير أنه يبدو، في تقدير حذر، أن هذه المحاولات باتت غير مجدية، إذ أن إيران اجتازت عنق الزجاجة وأصبح من الصعب معها إعادة العجلة إلى الوراء.
فعلى الصعيد العسكري تعلم الإمبرياليون، من حربيهما في العراق أولاً وأفغانستان ثانياً، أنهم ليسوا أقوى الوحوش في الغابة. فالحروب في هذين البلدين أسفرت عن إلحاق أضرار جسيمة بهم، وخصوصاً على الصعيد الاقتصادي، بحيث بدا أنه حتى الاقتصاد الإمبريالي راح يترنح تحت عبئها، كما أنهم لم يستطيعوا حسمها عسكرياً حتى بعد آلاف القتلى الذين سقطوا بين صفوفهم. وبعد مرور أكثر من عقد على الحرب في أفغانستان نجد الأطلسي، برئاسة الأمريكيين بالذات، مضطراً إلى إجراء مفاوضات مع طالبان البائس، بوساطة قطرية، لكي يؤمنوا لأنفسهم انسحاباً من البلد، بعد فترة قصيرة، يحافظ على ماء وجههم. وإن حدث تدخل عسكري في إيران فقد تكون نتائجه، نظراً لقدرات البلد المتنوعة التي لا تقاس بقدرات أفغانستان، إذ يبلغ تعداد سكان ذلك البلد نحو 70 مليون نسمة فيما تزيد مساحته على مليون ونصف مليون كيلومتر مربع، وخيمة العواقب بالنسبة للإمبرياليين الغربيين بأجملهم.
ومن ناحية أخرى يبدو، أساساً، انه لا يمكن إقامة تحالفات إمبريالية ـ دولية معادية لإيران، على غرار تلك التي أقيمت ضد العراق وأفغانستان وحظيت بتغطية، بصورة أو بأخرى، من قِبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، نظراً لوجود “حليفين” لها هناك يتمتعان بحق الفيتو، هما روسيا والصين. ومثل هذا “التحالف”، وإن لم يكن رسمياً، فإنه قائم فعلاً استناداً إلى تلاقي المصالح بين هذه الدول. بل إن بعض أسبابه ناجمة عن رعونة الأطلسيين ونزقهم وسعيهم الحثيث، بمختلف السبل، إلى السيطرة على الغير واستغلاله. فروسيا، مثلاً، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينات، غيرت سياستها الشيوعية بصورة جذرية فمدت يد المصالحة للغرب وراحت تتعاون معه في أكثر من مجال، بعد أن وضعت حداً للحرب الباردة بين المعسكرين، الغربي والشرقي. كما أنها تخلت عن نفوذها في عدد كبير من دول أوروبا الشرقية ووسط آسيا، والتي كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي أو تدور في فلكه، بعد أن حصلت كل تلك الدول على استقلالها وراحت تتبع سياسات خاصة بها. ولكن بدلاً من تقدير هذه السياسة الروسية العاقلة والمعتدلة، وبالتالي مد يد العون والصداقة لها، راح الأطلسيون يبذلون المزيد من المحاولات لتطويق روسيا بضم المزيد من دول أوروبا الشرقية، التي كانت محسوبة على المعسكر السوفيتي سابقاً إلى حلف الأطلسي، بحيث وصل نفوذه إلى أبواب روسيا. وخلال فترة قصيرة انضم عدد لا بأس به من دول الفراطة (فهذا النوع من الدول ليس موجوداً في العالم العربي فقط) في أوروبا الشرقية إلى الحلف، مثل ألبانيا وبلغاريا وكرواتيا وسلوفاكيا وسلوفينيا، لتتبعها فيما بعد بولندا، وبعض دول الفراطة المثيلة في شمال أوروبا مثل لاتفيا ولتوانيا.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل راح الأطلسي يتحرش، بوقاحة، بروسيا، مبدياً أتفه المبررات لذلك. فتارة يريد إقامة جدار صاروخي بالقرب من الأراضي الروسية وطوراً يخطط لنصب رادارات، في بولندا بالذات، بالقرب من حدود روسيا، وذلك للدفاع عن أوروبا من … الصواريخ الإيرانية، مع العلم أن بولندا آخر بلد يصلح موقعه لذلك نظراَ لوجودها في أقصى شمال أوروبا. ولكن هذه الألاعيب كانت واضحة لإقناع الروس أن المحاولات الأطلسية لاحتوائهم، تمهيداً للسيطرة عليهم، لا تزال كما كانت عليه أيام الحرب الباردة، فالذئب لا يغير طباعه. ولذلك وجدوا في إيران، بمواقفها المعادية للغرب، حليفاً مناسباً لهم يساعدهم على تطويق الأطلسي من الجنوب، بما يخفف العبء عنهم ويفيدهم. وليس سراً أن روسيا، التي تعارض أية إجراءات دولية ضد إيران، تقوم أيضاً بتزويد ذلك البلد بمختلف أنواع الأسلحة الدفاعية والإلكترونية، التي تستلمها إيران ثم تقوم أيضاً بتطويرها، بإضافة المزيد من المواصفات لها.
وتكاد اعتبارات مماثلة، وإن في مجالات أخرى، تنطبق على الصين وسياساتها في هذا الصدد. فهذه الدولة التي احتلت أخيراً موقع القوة الاقتصادية الثانية في العالم، وراحت تنطلق مزاحمة الولايات المتحدة على الموقع الأول، بحاجة إلى النفط، والمزيد ثم المزيد منه، بل أنها لا تسمع عن اكتشاف بئر نفط جديدة هنا أوهناك في أي مكان في العالم حتى تسارع إلى الركض وراءها. وهي تستورد كميات من النفط الإيراني لا بأس بها، وليست على استعداد، كما ليس في استطاعتها، التنازل عنها ولا حتى استبدالها بموردين حصريين آخرين، خصوصاً إذا كانوا تابعين للركب الإمبريالي، مثل معظم دول الخليج. ومصالح الصين الإستراتيجية تقضي بالاحتفاظ بعلاقات حسنة مع كافة منتجي النفط من جهة، ومنع الولايات المتحدة من السيطرة عليهم كافة من جهة أخرى، إذ إن تم ذلك قد تلجأ هذه، مثلاً، إلى تقنين تصدير النفط إلى الصين، عن طريق الضغوط على الأنظمة الدائرة في فلكها، فتعرقل بذلك نموه الاقتصادي، لتخفيف قدرته على منافستها أو حتى شلها. وهذا وضع ليس في مصلحة الصين، ولا يفترض بها أن تسمح ببلورته، لما قد يجره عليها من مخاطر. ومن هنا تتبع مواقفها برفض هيمنة غربية على إيران.
وإلى هذا وذاك، من الواضح أيضاً أن أية مغامرة عسكرية ضد إيران ستكون وخيمة العواقب بالنسبة لمنفذيها. فإيران ليست من بني تلك الدول التي يمكن الاعتداء عليها بسهولة ودون أن يفلت المعتدي من عقاب. فلهذا البلد قدرات عسكرية ليست هامشية كما أن موقعه الجغرافي حساس للغاية، ويستطيع منه التسبب بأذى كبير للإمبرياليين. فإيران قريبة من كل منابع النفط في الشرق الأوسط، إن كانت في السعودية أو الكويت أو العراق، كما أنها تجثم على صدر مضيق هرمز، الذي يمر فيه شريان النفط إلى الغرب، وبذلك تستطيع، إن دعت الضرورة، التحكم بتصدير النفط أو وقف تدفقه مما قد يكيد الأطلسيون أضراراً لا يستطيعون حملها. كما أن هناك، في مرمي مدفعية إيران وصواريخها، قواعد أميركية “سمينة” ليس من الصعب استهدافها في حال نشوب حرب. ولوحظ مؤخرا، مثلا، خلال مناورات بحرية إيرانية جرت في الخليج، تمت خلالها تجربة أنواع جديدة من الصواريخ، قيل أنها قادرة على إعطاب اكبر حاملة طائرات، أن لم يكن إغراقها، أن قطع البحرية الأميركية المرابطة هناك سارعت إلى الخروج من الخليج، متجهة نحو المحيط الهندي قبل بدئ تلك المناورات ثم عادت إليه بعد انتهائها. وإلى ذلك أيضاً، توحي إيران من طرف خفي، أن صواريخها قادرة على الوصول إلى أوروبا. ولا يبدو ذلك ضربا من الخيال. فإيران أطلقت، قبل فترة قصيرة، بقواها الذاتية، قمرا صناعيا ثالثا إلى الفضاء؛ ومن يملك مثل هذه القدرات التكنولوجية يستطيع أيضا إطلاق الصواريخ الباليستية على أي مكان في العالم تقريبا. ومن هنا يأتي تحسب الإمبرياليين من نتائج أي اعتداء على إيران أو مواجهات عسكرية معها، مفضلين بدلاً من ذلك فرض “عقوبات” اقتصادية عليها، والتي لا يبدو، في أي حال، أن إيران لا تستطيع العيش معها.
لا سور ولا برج
في ظل هذه الأوضاع المتداخلة والمعقدة لم يتبق إلاّ إسرائيل، التي ترفض استيعاب هذا الواقع الجديد، فيعلو صراخها ويرتفع عويلها، وتروح ترغي وتزبد مهددة بهجومات وحروب من جهة ومحاولة ابتزاز الغرب عامة ودفعه غلى العمل ضد إيران من جهة ثانية. والحقيقة انه ليس من الصعب فهم موقف إسرائيل واعتباراتها في هذا الصدد، نظراً للتغيير الواضح لميزان القوى في غير صالحها، الذي أسفر عن زعزعة نظريات أمن ثبتتها وعملت بموجبها خلال 70 سنة متتالية، وراحت الآن تنهار أمام عينيها.
فمنذ أيام زمان، وفي أول مواجهات عنيفة لهم مع عرب فلسطين، خلال الثورة العربية الكبرى في البلد (1936 – 1939) طوّر الصهيونيون نماذج من الأنظمة الدفاعية الخاصة بهم، في وضع انهارت معه سلطة الدولة أو كادت، فيما راحوا يتعرضون لهجمات الثوار العرب المفاجئة، في أي وقت. وفي هذا الإطار لجأوا أولاً إلى تحصين مواقعهم وحمايتها جيداً، منغلقين على أنفسهم من ناحية، بينما راحوا، من ناحية ثانية، يوسّعون نشاطهم الاستيطاني في قلب المناطق العربية، وذلك بإتباع أسلوب سموه “السور والبرج”. وبموجب هذه الطريقة درجوا، عندما أرادوا إقامة مستوطنة جديدة، على جمع ما يكفي من المعدات والرجال لذلك، والاتجاه بسرعة إلى المكان المعد للاستيطان، حيث ينصب سور من ألواح الخشب والأسلاك الشائكة حول النقطة الاستيطانية المزمع إقامتها، والتي يتحصن المستوطنون في داخلها، بينما يقام في الوسط برج عال يمكن منه مراقبة ما يحدث في الجدار والإنذار من أي تحركات معادية. وبعد إقامة إسرائيل واستمرار المنازعات على حدودها وكذلك عمليات التسلل من الدول المجاورة إليها، وفي ظل عداء العالم العربي لها، عدل هذا الكيان تلك العقيدة وذلك، إضافة إلى تحصين نفسه، بإقامة قوى ضاربة سريعة الحركة تستطيع نقل الحرب، في حال وقوعها، إلى أرض العدو، بعيداً عنه. ثم عدلت إسرائيل هذه العقيدة فيما بعد بإقامة سلاحي مدرعات وطيران، منحاها تفوقا ملحوظاً في أية مواجهة مع العرب. وبعد أن ثبتت جدارتها في هذا المجال راح الإمبرياليون، وخصوصاً الأمريكيون والألمان يزودونها بمختلف أنواع الأسلحة، وبعضها يسلم لها مجاناً، دون مقابل، فأصبحت عملياً البلطجي الرئيسي في الشرق الأوسط، تعربد على هواها.
إلاّ أن التطور التكنولوجي المتصاعد في مجال الصواريخ، واستنباط الجديد منها، إضافة إلى الدفاعات الجوية الحديثة، ثم تصاعد وتيرة وتشعب الحروب الإلكترونية دفع بتلك العقيدة عرض الحائط، بل بدا كأنها راحت تترنح وتقترب من نهايتها. فالدفاعات الثابتة والحدود، وحتى “المحاسيم”، على حد تعبير أهالي الضفة الغربية، باتت ذات فعالية محدودة، بل كادت تصبح عديمة الجدوى، في ظل اتساع مدى الأنظمة الصاروخية، التي لا “تعترف” أساساً بحدود أو نقاط تفتيش. بل أن أي حرب جديدة، مع وجود مثل هذه الأنظمة، ستدور أولا في سماء إسرائيل وفوق رؤوس سكانها. وكان شمعون بيرس، رئيس إسرائيل حالياً، قد حذر، مثلاً، من هذه التطورات على أمن إسرائيل ومستقبلها، في كتاب بعنوان ” الشرق الأوسط الجديد” نشره قبل نحو 15 سنة، بموازاة اتفاقات أوسلو، موضحاً فيه أن الخطر على إسرائيل يكمن في عاملين، لا ثالث لهما، أولهما انتشار الصواريخ وثانيهما ظهور الإسلام المتطرف. ويقال أن تحليله هذا هو الذي دفعه إلى إقناع رابين بقبول سياسات أوسلو، لحل القضية الفلسطينية وبالتالي فتح الطريق أمام “تحالف” مع الإسلام المعتدل. إلاّ أن قلة هامشية للغاية من الإسرائيليين أخذت بهذه الطروحات، بينما اتجهت الأكثرية الساحقة نحو تبني سياسات اليمين المتطرف.
وفي ضائقتها تعمد إسرائيل، من حين إلى آخر، إلى الولولة والنحيب، ثم الوعيد فالتهديد بأنه إذا لم “يقم العالم” بـ”إيقاف” إيران عند حدها ومنعها من المضي قدماً في نشاطها الذري، فقد تقوم هي بنفسها بهذه المهمة وتقصف المنشآت الإيرانية. وفي موقفها هذا تنسى إسرائيل أسلحتها الذرية ولا تنبس ببنت شفة بشأنها. غير أنه يبدو أن تلك الادعاءات الإسرائيلية ليست إلاّ تهديدات جوفاء، لا تستطيع إسرائيل اللجوء إليها، نظراً لقسوة الرد الإيراني المتوقع عليها من جهة، وعدم فعاليتها من جهة أخرى. فالإيرانيون تعلموا الدرس من قصف المفاعل الذري العراقي وتدميره من قبل إسرائيل، في صيف 1981، ولذلك راعوا إقامة منشآتهم الذرية بتوزيعها على أكثر من مكان، كل منها بعيد بصورة ملحوظة عن الآخر، كما أقيم الحساس منها في باطن الأرض داخل أبنية وأنفاق أقيمت تحت جبال عالية، يصعب الوصول إليها. وقد رد خامنئي مرة على سؤال بشأن تهديدات إسرائيل بقصف إيران، مستهجناً ومستنفراً بقوله: “إن إسرائيل تستطيع بصعوبة التعامل مع حزب الله، فكيف ستهاجم إيران؟”. ويرى بعضهم أن تهديدات إسرائيل بقصف المنشآت الإيرانية لا تأتي إلاّ من قبيل “امسكوا بي”، في محاولة للضغط على الغرب كافة، وأمريكا خاصة، لتتولى القيام بهذه المهمة بدلاً منها. ويلاحظ أن أولئك لم يبلعوا هذا الطعم، نظراً للعواقب الوخيمة التي قد تترتب على أعمال عدائية في الخليج. كما يلاحظ أنه في كل مرة ترتفع فيها حدة عصبية إسرائيل وجنونها، ويبدو أنها تستعد للقيام بعمل ما، يسارع أحد كبار المسؤولين الأمريكيين إلى زيارتها لمواساتها والتخفيف من حزنها ودفعها نحو التعقل. وفي هذا الإطار زارها، حتى الآن، على فترات متباعدة، كل من نائب الرئيس الأمريكي ثم وزير الدفاع ثم رئيس الأركان. وفي هذا الصدد سربت مؤخراً تقارير للبنتاغون مفادها أنه ليس لدى أمريكا قنابل قادرة على الوصول إلى المنشآت الذرية الإيرانية المتموضعة تحت الأرض، محمية بالجبال الشاهقة فوقها.
وخلاصة القول أن الصراع المحتدم على مصير الشرق الأوسط، الذي تقوده إيران، يسفر عن خسارة إسرائيل، بالنقاط، ويتجه تدريجياً نحو تحجيمها واحتوائها. وعلى المدى البعيد لابد أن يدفعها هذا إلى التعقل، وربما القبول بالحلول السياسية لخلافاتها مع العرب، وفي طليعتهم الفلسطينيون.
إلاّ أن ما يدفع إلى الحيرة، في هذه الأوضاع بأسرها، هو ذلك الموقف العربي، الغريب والعجيب منها. فالعرب بأسرهم، كلهم وكلهّن، أنظمة كانت أم أحزاباً أم “مفكرين”، ابتداء من سلطنة قابوس في عُمان، في أقصى مشرق العالم العربي، وحتى مملكة محمد الخامس (الذي يسمي نفسه أيضاً “أمير المؤمنين”) في أقصى المغرب، على المحيط الأطلسي، ودون استثناء، يتصرفون وكأن الأمر لا يعنيهم ولا علاقة لهم به (وذلك دون أن نقول إن هناك بينهم من هو على استعداد للتآمر على إيران، بل حتى المساهمة في الاعتداء عليها، إذا اتضح له أن العواقب قد تكون سليمة). ويتم هذا رغم تأثير هذا الصراع وأبعاده ونتائجه المختلفة على المنطقة، والتي ستبدو واضحة للغاية، إن آجلاً أو عاجلاً.
ومن يدري إذا لم ينشأ وضع، لو استمر الحال على هذا المنوال، نجد معه إيران والغرب (ومعه إسرائيل) “يتفاهمان” فيما بينهم على تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط، على حساب عربه، وأنظمتهم ومستقبلهم.
إنه الزمن العربي الرديء، بليله الحالك الذي يبدو أن لا نهاية له.
تاريخ النشر: 13/2/2012