صومعة المؤرخ في فسوطة

حسن البطل

صومعة المؤرخ في فسوطة

[مقال نشره صديقنا القديم (جدا) حسن البطل في جريدة “الايام”، رام الله بتاريخ 25/2/2020؛ أرتاينا اعادة نشره]

2020-02-25


 بمعيّة محمد بكري، كانت لي القعدة الرابعة مع صبري جريس. حديقة فطرية، صغيرة وجميلة لبيته في قرية فسوطة الجليلية، وبيت متقشف، ورفوف مكتبة عامرة في ما يشبه «صومعة» مؤرخ لـ «تاريخ الصهيونية» في جزأين، أنجزهما في منفاه، مديراً لمركز الأبحاث ـ (م.ت.ف).‏
داعبته مستذكراً قعدة أولى في مقر المركز ببيروت، لمّا قصدته ساعياً للانتقال من صحافي في المجلة المركزية إلى باحث تحت إدارته، فقال: أرى مستقبلك في الصحافة، فأنت الأنسب لها وهي الأنسب لديك. آنذاك، كنت محرّراً في «فلسطين الثورة» للشؤون الإسرائيلية.‏
في قعدة ثانية، كانت في شقته بنيقوسيا، صرت مديراً مفوضاً لتحرير المجلة، وبقي صبري مديراً لمركز الأبحاث في مقره الثاني، كما كانت المجلة المركزية تصدر، بعد خروج بيروت، من مقرها الثاني.. والأخير. أتذكّر قوله: لك أن تقارن بين وضع ومكانة الفلسطينيين في إسرائيل، وحالهم الآن. لم يعودوا «حطّابين وسقّائي مياه» كما أمل لوبراني.‏
دار الزمان دورته، والتقيته مصادفة في قعدة ثالثة في واحد من مقاهي رام الله، في السنوات الأولى للحقبة الأوسلوية. هو عاد إلى قريته ومسقط رأسه في فسوطة، وأنا صرت أزور قريتي في طيرة ـ حيفا، وبفضل هذه الأوسلو كانت قعدتنا الرابعة في قريته.‏
لما صدر له «تاريخ الصهيونية» قرظه باحثون إسرائيليون، لأن كتابه التاريخي أضاف لما كُتب عنها، أنها المؤلف الأول في تاريخ الصهيونية يعتمد مراجعَ في اللغات الثلاث: العبرية، والإنكليزية.. والعربية.
إلى غرامشي يُنسب القول عن «تشاؤم الفكر، وتفاؤل الإرادة»، وقد أقول إن لدى صبري تفاؤل الفكر وتفاؤل الإرادة، لماذا؟ كان صبري جريس مؤسساً مع آخرين، مثل حبيب قهوجي، صالح برانسي لما سمي «جماعة الأرض» في الأعوام 1959 ـ 1965، وهي الفترة حيث كان الفلسطينيون يرزحون تحت «حكم عسكري»، وكانت الجماعة تصدر منشوراً يحمل عناوين، مثل: «ربيع الأرض»، «شذى الأرض» وما شابه، مستفيداً من قانون يسمح بإصدار نشرة واحدة بأسماء مختلفة. ‏
عشر سنوات بعد توقفها بأمر عسكري، اندلعت انتفاضة «يوم الأرض»، بينما كان بعض مؤسسي نشرة الأرض في المنفى، وصارت النشرة شهرية تصدر بانتظام في دمشق حاملة ترويسة من كلمة واحدة: «الأرض» وكانت زادي المعرفي الأول عن أحوال الفلسطينيين في إسرائيل، وأعرف أنها كانت زاداً لمن صار الرئيس الثاني للسلطة الفلسطينية. آنذاك كان صبري يدير مركز الأبحاث ببيروت، الذي أجبر على التوقف بعد تفجيره، وموت باحثين فيه، ومنهم زوجته، بعد قليل من خروج قوات منظمة التحرير من بيروت، ونهب الإسرائيليين لمكتبة المركز.‏
بقيت مؤسسة الدراسات الفلسطينية تعمل في بيروت، لكن بعد أوسلو بسنوات قليلة، صارت الدراسات الفلسطينية عن إسرائيل تصدر من مركز «مدار» في رام الله بأقلام فلسطينية، بشكل أكثر مهنية وتوسعاً في النشاطات، بما يفوق مركز الأبحاث المتوقف، ومؤسسات الدراسات الفلسطينية العاملة، وبالطبع نشرة «الأرض» الشهرية الصادرة بدمشق، وربما لم تعد تصدر.‏
كان الباحث نزيه قورة من أنشط محرري نشرة «الأرض» الدمشقية حتى وفاته، وتكريماً له صار شارع في رام الله يحمل اسمه، وهو الشارع الذي فيه مكتبة رام الله.‏
تقدم صبري جريس في السن، ولا أعرف هل يصدر جزءاً ثالثاً لـ «تاريخ الصهيونية»، أو يكتب دراسات وأبحاثا، لكنه مثابر نشيط في تدوين أفكاره على صفحته في وسائل التواصل.‏
في عمودي ليوم الأحد، أعدت نشر عمود قديم عن تطلع إسرائيل لتهويد بعض قبائل أفغانية صارت إسلامية. صبري عقّب على المقال بالرسالة التالية: «أخي حسن. لا تكرهوا شيئاً…. هذا الهجين غير المتجانس من القبائل اليهودية، لا يؤدي إلاّ إلى مزيد من التفكك في ما يسمى المجتمع اليهودي. بوادره، بالنسبة لباقي القبائل، باتت تظهر جليّاً».‏
نعيش متغيرات ومضاعفات ما يبدو التفكك العربي والانقسام الفلسطيني، لكن لمؤرخ عاش الحالة الإسرائيلية في بدايتها، والحالة الفلسطينية منذ بدايتها، وما يبدو سطوة إسرائيلية، لا يبدو له، كمؤرخ، أن إسرائيل سوف تجتاز امتحان التوفيق بين الصهيونية، واليهودية، والإسرائيلية في بوتقة ديمقراطية واحدة، بينما يحاول العالم العربي التوفيق بين المواطنية والعروبة والإسلام.. والديمقراطية.‏
لا يرى صبري جريس في أوسلو شرّاً مستطيراً، ولا في «صفقة القرن» إجهازاً نهائياً على القضية الفلسطينية، ويشاركه في ذلك عماد شقور، ابن مدينة سخنين، في مقالاته الصحافية، وهو مثله انضم إلى مؤسسات (م.ت.ف)، وعاد إلى بلدته بعد أوسلو، فأعرف أنهما سيصوتان للقائمة المشتركة كما فعلا منذ تأسيسها، ومن قبل لقائمة «حداش»، التي كانت حزب إميل حبيبي، ومحمود درويش، ومدرسة القادة الجدد للقائمة المشتركة.‏
ربما يستحق أحد مؤسّسي «حركة الأرض» قبل أن يصير «يوم الأرض» يوماً للشعب الفلسطيني بأسره أن يحمل أحد شوارع مدينة رام الله وأن يتسمّى باسمه بعد عمرٍ طويلٍ للمؤرخ الذي وضع كتاب «تاريخ الصهيونية».‏

قانون القومية الإسرائيلي – هراء صهيوني عنصري، ولكنه خطير

قانون القومية الإسرائيلي – هراء صهيوني عنصري، ولكنه خطير

حول عزل اسرائيل وسياساتها عربيا ودوليا

صبري جريس

أقر كنيست (برلمان) اسرائيل، في 19/7/2018، وذلك قبل أيام قليلة من خروجه لعطلته الصيفية، ما عُرف باسم قانون القومية الإسرائيلي، أو باسمه الرسمي، “قانون أساس: اسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي”، وذلك باكثرية 62 صوتا ضد 55 (من مجموع 120). وبصفته “أساسيا” يُفترض أن يصبح هذا القانون جزءا من دستور اسرائيل، إن تم إقراره يوما.‏‏

اثأر هذا القانون، فور إقراره، موجة من المعارضة الشديدة له، داخل اسرائيل قبل غيرها، كونه يتطرق لمعالجة قضايا خلافية شائكة ليس هناك إجماع صهيوني حولها، وذلك من خلال عقلية عنصرية عرقية ضيقة الأفق، لا تقبل بها تيارات صهيونية لها وزنها، ليس فقط لمجافاته ابسط الأعراف الدولية الديمقراطية والليبرالية، بل تحسبا أيضا من انتشار وباء الفاشية اليمينية الصهيونية ليشمل كل من لا يتماهى معها من المعارضة، الصهيونية أيضا. ولا يبدو أن تلك المعارضة، التي تضم يهودا وعربا، ستهدأ قريبا. وفي أعقاب إقرار ذلك القانون أقيمت، حتى الآن، مظاهرتان كبيرتان ضده، شارك فيهما عشرات الآلاف من اليهود والعرب، من دوي الاتجاهات السياسية المختلفة.‏

قانون القومية هذا، في أساسه، ليس إلا محاولة سخيفة، من قبل غلاة الصهيونيين اليمينيين، العنصريين والمتعصبين، لـ”شرعنة” أساطير يهودية قديمة، تتعارض حتى مع ابسط مكونات الديانة اليهودية من جهة ومحاولة لـ”تثبيت” مفاهيم عنصرية، بوقاحة وعلنا على رؤوس الأشهاد، خلافا لكل الأعراف والمواثيق الدولية من جهة أخرى. ‏

المغالطات في هذا “القانون” تبدأ من اسمه، الذي يعلن اسرائيل “الدولة القومية للشعب اليهودي”، وهو، في أساسه، ليس إلا قولا على قول، ومحاولة صهيونية فارغة لتشبيه اليهود وإسرائيل بالدول القومية التي تبلورت ونشأت في أوروبا، خلال القرون الثلاثة الأخيرة، نتيجة لتطور تاريخي مستمر استغرق قرونا طويلة، ولم يكن لليهود أو للصهيونيين تحديدا علاقة تُذكر به. كما أن الادعاء بأن “ارض اسرائيل”، وهو مصطلح يشمل فلسطين الانتدابية بأسرها مع الجزء المأهول من الأردن وأجزاء من جنوب كل من سوريا ولبنان وشمال سيناء، هي “الوطن التاريخي للشعب اليهودي”، يتعارض بشكل صارخ حتى مع ابسط أسس الديانة اليهودية وتاريخ اليهود في العالم بأسره. فوفقا للتوراة بالذات، دون غيرها، جاء إبراهيم إلى فلسطين من اور (العراق)، إما اليهود فقد نشأوا في مصر ومن هناك هاجروا شمالا نحو ارض كنعان/فلسطين، ووصلوها بعد أن تاهوا 40 سنة في صحراء سيناء، حيث احتلوا أجزاء منها، وأقاموا فيها ممالك/قبائل، ثم جاء غيرهم واحتلها وطردهم منها. ومنذ نجو إلفي سنة واليهود مشتتون، كطوائف دينية في كافة بقاع الأرض. والادعاء أنهم قومية وشعب متماسكين، لهم تاريخ مشترك طويل ليس إلا بدعة صهيونية، تم ترويجها من قبل الصهيونيين جميعا وكذلك كافة الدوائر الامبريالية الطامعة في السيطرة على المشرق العربي.‏

بعد هذه المقدمة “التاريخية” الخاطئة والمظللة يترك ذلك “القانون” ما يسميه أرص اسرائيل، وينتقل إلى “دولة اسرائيل”، وهو مصطلح يضم حصرا، وفق المعايير الصهيونية والإسرائيلية، اسرائيل ضمن حدود 1967 بالذات.‏

أكمل قراءة المقالة

“الحل الإقليمي” – اطار المؤامرات الجديدة على الفضية الفلسطينية

‏‏‏‏”الحل الإقليمي” – إطار المؤامرات الجديدة على القضية الفلسطينية 

‏‏‏‏من قال للرئيس الفلسطيني: “عاصمتكم هي أبو ديس وليس القدس”؟

صيري جريس

‏‏‏أصبح ألحكي على المكشوف ضروريا، بل ضروريا جدا‏.‏

‏‏ضروري لوضع النقاط على الحروف وفضح التآمر والتخاذل، بل الهراء “العربي”، وهو وضع سبّب ولا يزال يسبّب الأذى البليغ للقضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين، بداية من القدس بالذات ودون غيرها. وبالتالي لا بد من اتخاذ الإجراءات المناسبة لصده وإبطال مفعوله‏.‏

‏‏دلائل عدة تشير، بما لا يدع مجالا لشكوك كبيرة، أن اعتراف الرئيس الأميركي ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، دون أن يحدد حدودها كما يدعي، ومن ثم التعهد بنقل سفارة أميركا في اسرائيل من تل أبيب إليها، وان أرجئ تنفيذ ذلك، ليس إلا الدفعة الأولى على طريق ما يسمى “الحل الإقليمي” لمشكلة الشرق الأوسط عامة وقضية فلسطين خاصة‏.‏

‏‏وإذا قُدّر لهذا الحل أن يمر، فلن يكون ذلك إلا الحلقة الأخيرة في المؤامرة المستمرة لتصفية القضية الفلسطينية قولا وفعلا. إلا إننا نستبق النهاية لنقول أن مؤامرة تصفوية إجرامية كهذه لن يكتب لها إلا الفشل. ففي ردود الفعل، التي يمكن وصفها بالعالمية، على التأييد ألمبدأي العارم للحقوق والمواقف الفلسطينية التي بانت خلالها. ومع قليل من الحكمة لدى المعنيين، سواء كانوا فلسطينيين أو عرب أو أجانب، وهذا القليل متوفر في أي حال، لن يتم إفشال هذه المؤامرة فحسب بل قد تصبح الظروف مواتية لشن هجوم مضاد لاسترجاع الحقوق الفلسطينية ومن ثم إحلال ما يشيه سلاما في المنطقة‏‏.‏

عندما يلعب صبية القوم في السياسة العالمية

للـ”حل الإقليمي”، الذي اشرنا إليه، المتداول علنا منذ فترة بصورة خاصة في السعودية ودول خليجية أخرى، اسم آخر، أصلي، هو “مبادرة السلام السعودية”، التي تحولت إلى “مشروع السلام العربي”، بعد أن وافق عليها مؤتمر القمة العربية المنعقد في بيروت سنة 2002.‏

أكمل قراءة المقالة

مائة عام على وعد بلفور، 1917-2017

مائة عام على وعد بلفور، 1917-2017

نظرة إلى سياسة التحالفات الصهيونية

صبري جريس

في الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر)، قبل مائة عام، أي سنة 1917، أرسل وزير الخارجية البريطاني ارثور جيمس بلفور رسالة إلى والتر روتشيلد، أحد زعماء الجالية اليهودية في بريطانيا، بهدف تحويلها إلى فرع المنظمة اليهودية العالمية في بريطانيا (وهي آنذاك برئاسة الدكتور حاييم وايزمان، فيما بعد رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، وأول رئيس لإسرائيل بعد إقامتها)، نصت على ما يلي:‏‏

“إن حكومة جلالته تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، على أن يفهم بجلاء بأنه لا يؤتى أمر من شأنه أن يجحف بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين، أو بالحقوق والأوضاع التي يتمتع بها اليهود في أية بلاد أخرى”.‏‏‏

وعرفت هذه الرسالة في الأدبيات العربية، منذ ذلك الوقت، باسم “وعد بلفور”. وأصبحت فيما بعد، الأساس السياسي “العقائدي” لحكم بريطانيا، ثم انتدابها على فلسطين خلال السنوات 1918-1948، الذي أرسيت استناداً إليه أسس “الوطن القومي اليهودي”، الذي مهّد لإعلان قيام دولة إسرائيل على جزء من أرض فلسطين سنة 1948.‏

ولسنا هنا في صدد تقديم بحث أكاديمي تاريخي عن بلفور، أو متابعة كيفية تبلوره، إذ صدرت في هذا الصدد العديد من الكتب والدراسات والأبحاث، لمن قد يعنيه الأمر. بل إن ما يهمنا هو الوقوف على الخلفيات وتشابك المصالح السياسية العالمية، على الصراعات التي رافقتها، وأفرزت من بين ما أفرزته، ذلك الوعد.‏

أكمل قراءة المقالة

انتخابات الكنيست العشرين كمرآة لأزمة النظام الصهيوني

انتخابات الكنيست العشرين

كمرآة لأزمة النظام الصهيوني

صبري جريس

 عُقدت في إسرائيل، في 17/3/2015، الانتخابات النيابية العامة للكنيست العشرين، وذلك في موعد مبكر بما يزيد عن السنتين على الموعد الذي كان مفترضاً أصلاً لأجرائها في أواخر 2017. وليست هذه، في أي حال، هي المرة الأولى التي تجري فيها انتخابات مبكرة في إسرائيل؛ فهكذا حدث، مثلاً، في انتخابات 1984 و1999 و2006 و2009. والمألوف، سياسياً ودستورياً، هو أن يلجأ النظام الصهيوني إلى إجراء انتخابات مبكرة عندما تفقد الحكومات الإسرائيلية، التي كانت دائماً وأبداً ائتلافية، تستند إلى تأييد اكثر من حرب، ثقة الأكثرية في الكنيست، أو تستفحل الخلافات بين مركباتها بحيث تصبح غير قادرة على الحكم. وهذا ما حدث، أيضاً، هذه المرة.‏

أكمل قراءة المقالة

الفكر السياسي الصغير لمخاتير فلسطين الكبار

الفكر السياسي الصغير لمخاتير فلسطين الكبار

أين حركة “تمرّد” الفلسطينية ؟

صبري جريس

 تمكنت المقاومة الفلسطينية المسلحة في غزة، خلال الحرب التي شنتها على اسرائيل، في تموز وآب 2014، نسبياً ووفق المفاهيم الفلسطينية، من تحقيق انتصار لا بأس به على المحتل الإسرائيلي، تتمثل في إقناع الصهاينة أنهم غير قادرين عسكرياً على احتلال قطاع غزة، وان فعلو ذلك فرضاً فإنهم لن يستطيعوا الاستمرار في السيطرة عليه، وذلك على الرغم من آلة التدمير العسكرية التي يملكونها، والخسائر الفادحة التي لحقت بقطاع غزة وأهله، مادياً وبشرياً. بل إن لجوء جيش الاحتلال إلى عمليات التدمير الواسعة وقتل المدنيين دون تمييز ليس، بحد ذاته، إلا دليلاً على فشله في المواجهات مع جنود فلسطين من رجال المقاومة، إذ لم تحدث هناك ولو مواجهة قتالية واحدة، وكلها تم إسرائيليا مع ما تسمّى وحدات النخبة في جيشهم، إلا وأسفرت عن وقوع قتلى وإصابات بينهم، وبصورة لا يستطع معها جيشهم ومجتمعهم “المدللين” تحملها طويلاً. ولم يكن صدفة أن تبدي اسرائيل، خلال هذه الحرب، استعدادها، أكثر من مرة، للوصول إلى اتفاق تهدئة أو إطلاق النار. وإسرائيل، أصلا، لم تكن معنية بهذه الحرب ولا باستمرارها، وهذه المرة لم تكن أساسا هي التي بدأتها، بل إنها فرضت عليها من قبل المقاومة التي راحت تعد لها وتعمل على استدراج اسرائيل وجرها إليها، لاعتبارات لا يبدو أنها كانت كلها خاطئة، وخصوصاً تلك منها المتعلّقة بمحاولة كسر الحصار المفروض إسرائيليا على قطاع غزة من خلال “تفاهم”، والأدق “تواطؤ” فلسطيني وعربي رسميين.‏

بين هواة السياسة وهواة المقاومة

لم تختلف النتائج السياسية، التي ترتبت على جولة القتال الأخيرة، كثيراً عن تلك التي سبقتها وجاءت في أعقاب الاعتداءات الاسرائيلية السابقة على القطاع. فقد انتهت هذه الجولة، كسابقاتها، بـ”اتفاق” وقف لإطلاق النار تضمنته “تفاهمات” أو “ترتيبات” أو “تسهيلات”، يفترض أن تساهم في عودة الهدوء إلى المنطقة. والفرق الوحيد بين هذه الجولة وسابقاتها هو أن ” التسهيلات” التي نجمت عنها جاءت، هذه المرة، اكثر شمولية، نسبياً، عما عهدناه سابقاً. وليس في ذلك إي ضرر، بالطبع، إلا أن هذا، بحد ذاته، ليس إلا دليلاً آخر ساطعاً على ذك الفكر السياسي الصغير، السخيف، التافه والمتخثر، المسيطر على عقليات كافة من تسمى “قيادات” فلسطينية، ودون استثناء. فتلك الزعامات كلها، ابتداء من وجهاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي أولهم رئيسها عباس، مروراً بحركة فتح ولجنتها المركزية وانتهاء بحماس ومكتبها السياسي، وعلى رأسهم مشعل وهنية، وباقي شلل التنظيمات القزمية، العاملة هنا او هناك، عسكرية كانت ام مدنية، لا يستحق أي منها أن يوصف إلا بأنه مختار أو “عمدة” (على الطريقة المصرية)، ولا يرى ابعد من انفه؛ بل ان وصف أي من أولئك بأنه “قائد” ليس إلا اهانة لمفهوم القيادة في أي زمان أو مكان.‏

أكمل قراءة المقالة

مصر تؤسس لحكم مدني ديمقراطي

مصر تؤسس لحكم مدني ديمقراطي

قراءة في دستور مصر الجديد (2014)

صبري جريس

   على مدى يومين، 14 و 15/1/2014، قام المصريون بالتصويت في الاستفتاء على مشروع دستور مصر الجديد. وتشير النتائج العامة للتصويت، كما أعلنتها أللجنة العليا للانتخابات المصرية، إلى أن عدد المشاركين في هذا الاستفتاء بلغ نحو 20,6 مليون ناخب، يشكلون نحو 38,6% من أصحاب حق الاقتراع البالغ 53,4 مليونا (مقابل 16,8 مليون ناخب، من مجموع 52.7 مليون، أي ما نسبته 31,8% شاركوا في الاستفتاء على دستور الإخوان، الذي جرى يوم 15/12/2012). وقد حظي هذا الدستور الجديد بموافقة نحو 20 مليون ناخب (99,1%)، ومعارضة أقل من 400 ألف (1,9%)، في مقابل موافقة أكثر من 10,7 ملايين ناخب على دستور الإخوان (63,8%) ومعارضة ما يزيد على 6 ملايين (36,2%). وبذلك أقّر مشروع الدستور الذي تحوّل، مع الإعلان عن نتائج الاستفتاء بالقبول به، يوم 18/1/2014، إلى دستور جديد لمصر نافذ المفعول ويعمل به.

   ولا شك أن هذا الدستور تأثر بالمناخ العام الذي نشأ في مصر، بعد نشوب ثورتين في البلد سنتي 2011 و 2013، ولذلك فإنه يختلف، في نواح مهمة، عن دساتير مصر السابقة، من حيث كونه أكثر وضوحاً ومدنياً وديمقراطيةً، بل وحداثة، إذ يحاول إيجاد الحلول أو، على الأقل، وضع الأسس مسيرة المصريين نحو حياة أفضل ويسام في إرساء نظام حكم جديد، يصبو لأن يكون رشيداً.

أكمل قراءة المقالة

المعركة على مصير مصر (والعرب) في مواجهة تجار الدين

المعركة على مصير مصر (والعرب)

في مواجهة تجار الدين

 صبري جريس

   معركة واسعة، عميقة ومتشعبة تدور رحاها في مصر، منذ نشوب ثورات الربيع العربي قبل 3 سنوات، يقوم بشنها تجار الدين، من متأسلمين وتكفيريين وإرهابيين، على اختلاف تنظيماتهم.

   وكانت المرحلة الأولى من هذه المعركة، الموجهة ضد مصر بأسرها، حضارة وشعباً وكياناً، قد بدأت يوم 25 كانون الثاني (يناير) 2011، عندما ثار الشعب المصري على نظام الرئيس الأسبق، حسني مبارك، بعد أن حكم البلد لفترة 30 سنة متتالية، “نجح” خلالها في إيصال مصر إلى حضيض الفقر والتخلف. ولم تمر يومها إلا فترة قصيرة على اندلاع تلك الموجة الأولى من الثورة حتى تنازل مبارك عن الحكم فسُلّم إلى المجلس العسكري الأعلى، ليجد الرجل نفسه بعد ذلك في المحاكم متهماً بالعديد من قضايا الفساد وسوء استعمال السلطة.

   وجاء سقوط مبارك بمثابة إيذان ببدء مرحلة جديدة من النشاط السياسي الجماهيري في مصر، ظهرت ونشطت خلالها قوى سياسية واجتماعية مختلفة، ما كان لها أن تعمل بحرية في عهد مبارك. ومن بين تلك القوى كان الإخوان المسلمون الأكثر حضوراً، باعتبارهم التنظيم الأقدم والأكثر تماسكاً ونشاطاً، فتمكنوا بسرعة من سرقة ثورة الشعب وتجييرها لصالحهم، ومن ثم فرض هيمنتهم على الحياة السياسية الجديدة عامة. ولهذا لم يكن من المستغرب أن يفوز المرشح الاخواني محمد مرسي في انتخابات رئاسة الجمهورية في صيف 2012، ليصبح رئيس مصر الجديد.

أكمل قراءة المقالة

مشروع حل لمشكلة الاستيطان اليهودي في فلسطين

مشروع حل لمشكلة الاستيطان اليهودي في فلسطين

صبري جريس

   قامت إسرائيل بعد احتلالها لما بقي من فلسطين، سنة 1967، في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالسيطرة على تلك المناطق، وراحت تزرع فيها المستوطنات والأحياء السكنية، بل المدن اليهودية في بعض الحالات، عن يمين وشمال. وتم ذلك، كما هو معروف، من خلال السيطرة على الأراضي الفلسطينية، الخصوصية منها والعمومية، عنوة وقسراً بمختلف الحجج “القانونية” الواهية والزائفة. وبنشاطهم هذا سعى الصهيونيون، ولا زالوا، إلى تقطيع أوصال المناطق الفلسطينية والسيطرة على أراضيها، ومن ثم سكانها، من خلال السعي إلى منع قيام أي كيان فلسطيني متماسك وقابل للحياة.

   والاتجاه إلى السيطرة على الأراضي في فلسطين، ومن ثم إقامة المستوطنات اليهودية عليها، إستراتيجية صهيونية أساسية وقديمة، رافقت الحركة الصهيونية، ولا تزال، منذ نشوئها. بل أنها حققت لها المكاسب التي مكنتها، في نهاية الأمر، من إقامة إسرائيل على أرض فلسطين سنة 1948. فخلال أواخر فترة الحكم العثماني لفلسطين، التي انتهت مع نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1918، ومن ثم خلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين (1918 – 1948)، التي تبعتها، تمكن الصهيونيون من شراء ما بلغت مساحته نحو 6 (ستة) بالمائة فقط من مساحة فلسطين بأسرها، وإن كان معظمها من الأراضي الخصبة. وتركزت معظم عمليات الشراء تلك، على وجه التحديد، في الجليل الشرقي الشمالي (مناطق طبريا وصفد) وكذلك في السهل الساحلي الممتد بين حيفا ويافا (تل أبيب)، دون غيرها. ومما سهّل عمليات شراء تلك الأراضي آنذاك، في تلك المناطق دون غيرها، كان امتلاك عدد من الإقطاعيين لها، ومن بينهم من كان يقيم في بيروت أو دمشق بصورة دائمة، والذين سارعوا إلى بيعها للصهيونيين لقاء مبالغ طائلة دفعت لهم. وكان أولئك الإقطاعيون قد تمكنوا من الاستيلاء على تلك المساحات الواسعة من الأراضي، على حساب الفلاحين الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون عليها، من خلال استغلال التشويهات والتناقضات التي خلقها قانون الأراضي العثماني المؤقت لسنة 1858، الذي أصدرته الإمبراطورية العثمانية في أواخر عهود انحطاطها (والذي رغم كونه “مؤقتاً” بقي ساري المفعول في فلسطين على الأقل لمدة تزيد على قرن من الزمن). ومع بيع تلك المساحات من الأراضي للصهيونيين سارع “المالكون” الإقطاعيون السابقون إلى الاختفاء، بينما تولّى الصهيونيون عملية إجلاء الفلاحين الفلسطينيين عن تلك الأراضي تمهيداً لإقامة المستوطنات اليهودية عليها.

أكمل قراءة المقالة

هل يعود الربيع العربي الى مساره الصحيح ؟

 

هل يعود الربيع العربي إلى مساره الصحيح؟

جريس جريس (ابو سامر)

   تقترب ثورات الربيع العربي من مرور ثلاث سنوات على انطلاقتها منادية بعدد من الأهداف والشعارات تشكل ما يشبه القاسم المشترك لها جميعاً، أي الثورة على الدكتاتورية والتسلّط والتوريث والفساد بكل أشكاله، والدعوة لإقامة أنظمة حكم ديمقراطية تمنح السلطة للشعب وتحمي حقوق المواطن وكرامته وتحقق الحرية والعدالة والمساواة.

   لكن هذه الثورات ما تزال تتخبط في طريقها ببطء وارتباك وتراجع أحياناً، بل وتتعرض للاختطاف والسطو من جانب القوى المضادة وعلى رأسها القوى الأصولية المستغلة للدين أو فلول الأنظمة السابقة التي تحاول إعادة تنظيم نفسها لاستعادة السلطة.

أكمل قراءة المقالة

التقويم الخطأ في تحديد تواريخ الاعياد المسيحية

التقويم الخطأ في تحديد تواريخ الأعياد المسيحية

صبري جريس

   تُسمع من حين إلى آخر، اصوات تدعو إلى “توحيد” الكنائس المسيحية، وخصوصاً الكاثوليكية والأرثوذكسية منها. ولا تركز هذه الأصوات على توحيد الكنائس بالمعنى الحقيقي، أي عقيدة ومؤسسات وسلك كهنوت، وجعلها كلها مسيحية واحدة، دون ذكر لطوائف أو تيارات دينية؛ إذ أن هذا غير ممكن، لأسباب تاريخية ولاهوتية وعملية. ولذلك يتجه بعض رجال الدين، لعلمهم أنهم لا يستطيعون مناطحة البقرة، صوب العجل، وبدلاً من الدعوة إلى إقامة وحدة حقيقية بين الكنائس يكتفون بالسعي إلى ما يسمونه “توحيد الأعياد المسيحية”.

   وحتى في هذا المجال لا يتم توحيد الأعياد على أسس علمية دقيقة، تتماشى أيضاً مع تعاليم الدين، بل يجري ذلك “مشايلة”، أي عن طريق المساومة، ولا مساومة في الدين وأصوله، أي أن يقوم الأرثوذكس بالاحتفال بعيد الميلاد مع الكاثوليك، حسب التقويم الكاثوليكي، بينما يقوم الكاثوليك بدورهم بالاحتفال بعيد الفصح مع الأرثوذكس، حسب التقويم الأرثوذكسي. “يعيّدوا معنا” و”نعيّد معهم”.  وكفى الله المؤمنين شر القتال.

   ولاشك أن ممارسات كهذه لا تعبر فقط عن التمسك بإجراءَات بدائية ومتخلفة، بل أنها تتعارض أيضاً مع الإكتشافات العلمية البائنة، ومع أصول ما يمكن أن يُسمى تقويماً مسيحياً.

أكمل قراءة المقالة

الاماكن المقدسة في فلسطين ليست للبيع

الأماكن المقدسة في فلسطين ليست للبيع

صبري جريس

   في خطوة مفاجئة، لم يُعلن عنها مسبقاً، وكما يبدو لم يعرف أحد بها، توجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم 31/3/2013 إلى عمان في الأردن، وهذه المرة بالذات ليس في سيارته بل على متن مروحية أردنية، حيث وقَّع هناك، أيضاً فجأة ودون سابق إنذار، إتفاقية مع الملك الأردني عبدالله، بهدف “الدفاع عن القدس والمقدسات الإسلامية في فلسطين”. وحضر حفل التوقيع نحو دزينة من كبار المسؤولين الأردنيين، ضموا أكبر رموز النظام الأردني، إن على صعيد العائلة المالكة أو الحكومة، فيما حضره عن الجانب الفلسطيني، إضافة إلى عباس، وزير أوقافه محمود الهبّاش فقط. ويبدو واضحاً من حيثيات هذه الحدث أن قرار التوقيع على الإتفاقية، من الجانب الفلسطيني، أُتخذ من قِبَل عباس لوحده، إذ لم يرافقه، عدا عن وزير أوقافه أي من المسؤولين الفلسطينيين؛ فيما أوضح المتحدث بإسمه، نبيل أبو ردينة، بعد التوقيع، أن الإتفاقية ستعرض على اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية للمصادقة عليها؛ وهو ما يمكن أن يُفهم منه أن تلك اللجنة لم تكن على علم بها.

   وعلى الرغم من محاولات تغليف هذه الإتفاقية بلفافات برّاقة، مثل الإدعاء أنها جاءت “للحفاظ” على الأماكن المقدسة، لابد من الإشارة، بمنتهى الوضوح، ودون لف أو دوران، أنها إتفاقية مثيرة للشبهات، خصوصاً في ضوء الدور غير حسن الصيت الذي لعبه الأردن في القضية الفلسطينية منذ نشوئها؛ بل أنها قد تكون مؤشراً على بداية مسار أعوج جديد قد يؤدي إلى تحجيم القضية الفلسطينية برمتها وإتباعها للغير، في محاولة لحلها على حسابهم وحساب أهلها. ومن هذه الناحية تستحق هذه الإتفاقية أن يُقال فيها ما قاله مالك في الخمر.

أكمل قراءة المقالة

الأرشيف